حرب القرون الوسطى

طائرة تحمل جثث القتلى من جنود الأسد من أبناء الساحل

اليمار إسماعيل

تحدّث الكثير من المحللين، منذ بداية الثورة وحتى الآن، عن موارد النظام البشرية. جميعنا متفقون أنّ النظام يعاني من نقصٍ في المقاتلين. ولم يكن تدخّل حزب الله وميليشيا أبو الفضل العبّاس، وحتى مقاتلين إيرانيين، إلا دليلاً قاطعاً على هذه الأزمة. لكن الذي تسلط عليه هذه المقالة الضوء هو أن الخزّان البشريّ للنظام لم ينضب حتى يستجير بمقاتلين من خارج البلاد!

فما زال هناك أكثر من ثلث الشبّان - على أقلّ تقديرٍ - من بيئته الطائفية الموالية لم يذهبوا للقتال في صفوفه، كما أنّ العديد منهم تخلّف عن السَوق للاحتياط أو للتجنيد الإجباريّ. وربما إيراد القليل من الأرقام قد يفاجئ البعض؛ فمثلاً، منذ صيف عام 2012 هناك أكثر من عشرين ألف متخلفٍ عن السَوق للاحتياط من محافظة اللاذقية، ومن المناطق الأخرى التي تعدّ مواليةً للنظام. وهذا لأنّ النظام يتردّد في السوق الإجباريّ لهؤلاء، موازناً بين الإبقاء على هيبته وخوفه من خلق بيئةٍ معاديةٍ له في عقر داره. ومن هنا فقد ترنّحت سياسته في هذه المسالة بين عمليات السَوق الإجبارية والتغاضي الكامل!
ومن المفيد هنا ذكر أنّ الشبّان الذين اندفعوا في بداية الثورة إلى ميليشيا الدفاع الوطنيّ لم يتمّ طلبهم للاحتياط. وحالما يترك أحدهم القتال في صفوف هذه الميليشيا يُطلب للاحتياط، في تواطؤٍ واضحٍ بين قوّات الدفاع الوطنيّ وشعب التجنيد، التي يشرف على هذا الأمر فيها عناصر من المخابرات الجوية. ورغم ذلك نجد الآن من ترك القتال مع هذه الميليشيا ولم يستجب للسَوق، كما نلاحظ أنّ هناك القليل ممن هربوا من جيش الأسد بعد استجابتهم لدعوة السَوق، لكن النظام تعامل مع مختلف هذه الظواهر بغاية المرونة، للأسباب التي ذكرناها آنفاً.
ومن جهةٍ أخرى، كيف لنا أن نتحدّث عن دورٍ "إنقاذيٍّ" لحزب الله في الحرب السورية وتعدادُ عناصره المشاركة فيها لا يتجاوز العشرين ألف مقاتل (كتقديرٍ أقصى)، فيما نجد أنّ عدد عناصر فروع أجهزة الأمن لوحدهم يتجاوز المئة ألف عنصر، وأنّ عدد السوريين المشاركين في الحرب يتجاوز الأربعمئة ألف؟ وكيف نتحدّث عن أهمية ما يقلّ عن عشرين ألفاً من باقي المليشيات التي تقاتل مع النظام من غير السوريين؟ لكن، إذا تحدثنا عن تجويع الموالين ومحاربتهم في لقمة العيش، والتلويح بأنّ منقذهم الوحيد هو القتال، بشتى أنواع الترغيب والترهيب، ولاحظنا غياب نسبةٍ لا تقلّ عن الثلث، وهي نسبةٌ غير قليلة، مع العلم أن أكثر من الثلث كانوا أصلاً في صفوف الجيش قبل اندلاع الثورة، أي أنّ كل وسائل النظام لم تستطع استجرار نصف الخزان البشريّ الموجود لديه بعد الثورة، وأنّ كل خزّانه البشريّ له طبيعةٌ خاصّةٌ لا تخدم النظام ولا أمراء الحرب في سوريا؛ فهذا ما يجيبنا عن كل تساؤلاتنا، وهو أنّ معظم مقاتلي النظام السوريين ليس لديهم ما يدافعون عنه، وغوايتهم بالسلب والنهب قد انتهى مفعولها الآن، وبدأوا يتلمّسون الأسباب الحقيقية وراء القتال، ومعظمهم يعرف علم اليقين أنّ النظام يكذب وأنّ الثورة لم تكن يوماً لإبادتهم، كأقلياتٍ أو كعناصر موجودةٍ ضمن أجهزة النظام.
وذلك بعكس مقاتلي حزب الله وميليشيا أبو الفضل العبّاس والمقاتلين الإيرانيين المعبئين أيديولوجياً، والذين يسعون لمحاربة "السنّة" أينما كانوا على الأرض وتحت أيّ ظرف، والذين يُقتلون وهم مطمئنون إلى مصيرهم بعد مماتهم، كما يؤمنون. وهكذا نجد أنّ المولّد الحقيقيّ للحرب السورية هي الأيديولوجيا الدينية المتطرّفة، والتي تتعرّى يوماً إثر يوم، وهي السلاح الجديد بيد أعداء السوريين.
إذاً، لن نستغرب عندما نعرف أنّ النظام قام بتسريح ثلاثة آلاف مقاتلٍ من ميليشيا الدفاع الوطنيّ مؤخراً. ذلك أنهم أصبحــــوا عبئاً عليه، وكذلك أيّ فصيلٍ مقاتلٍ لا يحمل أيديولوجيــــا أو عقيدةٍ للدفاع عنها. ليتحوّل هذا النظام
من الأوليغارشيّة إلى نظامٍ دينيٍّ أصوليّ، مرتبطٍ بشكلٍ وثيقٍ ومباشرٍ مع جميع قوى العالم الأصولية.