حرب "الدولة" والنصرة تشرّد الآلاف ورصاصٌ طائشٌ يقتل رجلاً وابنه ويصيب شقيقه بالجنون

أطفال نازحون من جديد عكيدات | عدسة محمد

لم تفهم أم عمر (30 عاماً) حقيقة الصراع الذي وصل إلى قريتها "جديد بكارة"، بين مقاتلي "الدولة الإسلامية" وخصومهم من جبهة النصرة والكتائب المتحالفة معها. ولا تحاول هذه المرأة معرفة التفاصيل حول من بدأ القتال، فكلّ ما يهمّها الآن هو أن يبقى أطفالها الثلاثة بخير.

وكذلك تفعل امرأةٌ أخرى أرادت أن تروي قصة هروبها من القتال مع أبنائها إلى مدينة موحسن، على الضفة الأخرى لنهر الفرات. ولا تتمالك نفسها عن البكاء حين تتذكّر ساعات الرعب الطويلة في بيتها أثناء المعارك، وكيف قرّرت الخروج أخيراً لتنقلهم سيارةٌ صغيرةٌ جداً اتسعت لأفراد عائلتها الاثني عشر، بعد وضع الأطفال الخمسة في صندوق السيارة الخلفيّ. وعبر نهر الفرات نقلهم قاربٌ صغيرٌ، على دفعاتٍ، إلى الضفة المقابلة. ولا تنسى هذه الجدّة الصغيرة، التي تحضن حفيدها بمهارة، أن تدعو بأن يحفظ الله سوريا وثورتها وشبابها. وفي بيتٍ آخر للنازحين كان أبو علاء، في الثلاثينات من العمر، ينظر حوله بذهول. وبحسب أقربائه وقع الرجل في أزمةٍ نفسيةٍ حادّةٍ بعد حادثٍ أليمٍ كان شاهداً عليه، اذ خرج برفقة ابن شقيقه لجلب جثة هذا الشقيق الذي قتلته رصاصة طائشة خلال المعارك التي وصلت فجأةً إلى قريتهم، وأثناء حمل الجثة أردت رصاصة طائشةٌ أخرى هذا الابن ليصاب أبو علاء بحالةٍ مرشّحةٍ للجنون.
في الأسبوعين الأخيرين، اضطرّ عشرات الآلاف من المدنيين إلى ترك منازلهم بسبب المواجهات المتنقلة في قرى الصبحة والدحلة وجديد بكارة وجديد عكيدات والطابية جزيرة، على الضفة الشمالية لنهر الفرات في ريف دير الزور الشرقيّ. وقبلهم نزح سكان الحريجي والحريجية وغيرها من قرى نهر الخابور في الريف الشماليّ للمحافظة. ولم يسمع أحدٌ بأيّة محاولةٍ جادّةٍ من قبل الحكومة المؤقتة أو الائتلاف أو غيرهما من المؤسسات والهيئات الكثيرة المعنيّة، لعمل شيءٍ ما لتخفيف المعاناة عن هؤلاء النازحين. لكن هذا التراخي لم يمنع المجالس المحلية والهيئات الثورية والإغاثية العاملة على الأرض من بذل كلّ ما تستطيع لخدمة النازحين. وبحسب السيد نوري الكدرو، رئيس المجلس المحليّ في موحسن، فإن عدد النازحين إلى مدينته وما حولها، في قرى البوليل والطوب والبوعمر والطابية شامية، اقترب من العشرة آلاف، توزّع معظمهم على البيوت. واستطاع الجهد المشترك، بين المجلس المحليّ وهيئات الإغاثة والأهالي وكتائب الجيش الحرّ، تأمين احتياجاتهم من طعامٍ ومسكنٍ ودواء. وهو جهدٌ موفّقٌ في ذلك، بحسب شهادات النازحين أنفسهم. لكن أعدادهم الكبيرة تفوق إمكانات المجالس المحلية والأهالي وهيئات الإغاثة في المناطق المضيفة، لأنها منكوبةٌ أصلاً بفعل الحرب الدائرة مع قوّات الأسد في مطار دير الزور القريب، وبفعل قصف مدفعية الأسد وغارات طيرانه شبه اليومية عليها.
نازحون

ومن جانبٍ آخر يبذل الناشطون الطبيون جهوداً كبيرةً في تقديم الرعاية الصحية للنازحين، إذ قامت مجموعةٌ من الممرّضات المتطوّعات بحملة تطعيمٍ ضدّ شلل الأطفال للأطفال النازحين. ويعدّد الدكتور وائل الناصر، من مشفى موحسن الميدانيّ، عدداً من الأمراض مثل الإســـــهالات والســــعال الديكي وغــــير ذلك، السارية في أوساط النازحين، إضافةً إلى إصابة العــــــشرات منهم بمرضٍ وراثيٍّ هو فقر الدم المنجليّ (التلاسيميا). ويضيف الناصر أنهم قاموا في المشفى بعمليات نقل الدم لـ(13) مصاباً بهذا المرض النادر، والذي يتطلب نقلاً دورياً للدمّ، مما يعني إضافة عبءٍ كبيرٍ يفوق إمكانات الفريق الطبيّ، الذي يعاني من قبل، وإلى حدٍّ كبير، من العــــجز في تأمين أكياس الدم للمصابين في المعارك اليومية مع قوّات الأسد، نظراً لافتقار المحافظة إلى بنكٍ للدم يغطي حاجة المشافي في الظروف الطارئة.
في قصــة النـــــزوح تلك، تضاف حلقةٌ أخرى لمســلسلٍ دامٍ وأليــــمٍ يتمـــنى السوريون أن ينتهي اليوم.