عشرون كرسيّاً متحرّكاً وأربعون عكازاً وثلاثمئة بطانيةٍ -بين جديدةٍ ومستعملة- هي شحنة المساعدات محلّ الخلاف والتنازع بين مجموعتين "خيريتين" من المجموعات الناشطة في رعاية الجرحى من جنود الأسد في ريف طرطوس.
يقول "فريق قامات السنديان التطوعي" إنهم وقعوا في خداع نصَّابي "جمعية الأصالة الخيرية"، إذ اضطرّهم الروتين والبيروقراطية -وهم غير المسجلين في وزارة الشؤون الاجتماعية- إلى الاستعانة بترخيص جمعية الأصالة لتلقي شحنة مساعداتٍ كانت قد أرسلتها "الخيمة السورية" في أمريكا للفريق حصراً. وكان المفترض أن تسلمهم الجمعية هذه الشحنة فور وصولها، بحسب الاتفاق بين الجانبين، لكن "الأصالة" لم تفعل، بل أخفت الشحنة في مستودعها لتباع القطع الجديدة منها فيما يوزّع المستعمل للدعاية وكفّ الألسنة.
تكذّب الجمعية مزاعم فريق السنديان، وتنشر وثائق تفصيليةً بكلّ ما استلمته ووزّعته على المستحقين. وتحمل الجداول المنشورة أسماء ضباطٍ وصفّ ضباطٍ وجنودٍ تلقى كلٌّ منهم عكازاً أو كرسياً متحرّكاً أو بطانية. وتتقصّد الجمعية إلحاق وصف "غير المرخص" باسم فريق السنديان انتقاصاً منه، في كلّ منشورٍ لها على صفحتها في فيسبوك. ويردّ فريق قامات السنديان التطوعيّ (غير المرخّص) برسالةٍ مفتوحةٍ "إلى السيد رئيس الجمهورية العربية السورية"، يناشده فيها التدخل "لإعلاء كلمة الحق وإنصاف جرحانا وأسر الشهداء ممن كانوا ينتظرون معنا هذه الأمانة".
يتطوّر التراشق بين الجانبين وأنصارهما من الجرحى المزعومين، فيقول رئيس جمعية الأصالة إنه تلقى اتصالاً من مسؤولٍ أمنيٍّ كبيرٍ يأمره فيه بتسليم الشحنة لفريق السنديان دون نقاش، و"علواه يبيعوها. ما إلكم علاقة"، أو "نشحط الجرد –أي ريف دريكيش- كله"! وبالمثل قال فريق السنديان إنه تلقى، هو الآخر، تهديداتٍ من مسؤولين أمنيين. تتدخل مجموعةٌ ثالثةٌ من طرطوس أيضاً، هي "جمعية الرضا الخيرية"، لتنشر بطاقة شكرٍ للفريقين المتخاصمين، على جهود الأوّل في إقناع "الخيمة السورية" بإرسال الشحنة، وكرم الثاني بتخصيصه جمعية الرضا بـ"4 كرتونات ألبسة وكرتونة أحذية و4 بطانيات"، وزّعتها على خمسة وأربعين عائلة جريح. وهو العمل الخيريّ الثاني للرضا بعد تقديمها عشرات القوالب الإسمنتية لمقبرة قرية العوينية، حيث تنشط.
وسوى "الرضا" و"الأصالة" و"السنديان" (غير المرخّص) تنشط مئات المجموعات "التطوّعية" في ريف طرطوس، وتتركز أنشطتها المفترضة في مساعدة الجرحى وعائلات القتلى من جيش الأسد. وبمعزلٍ عما اقترفه كلّ جنديٍّ قبل إصابته، تبدو صور الجرحى، التي تنشرها الجمعيات الخيرية في استعراضاتها المتسوّلة، مثيرةً للشفقة ومهينةً لهم إلى حدٍّ كبير، حين يظهرون بجوار عبوات الزيت وأكياس الأرز الصغيرة، بالعكازات أو على الكراسي المتحركة أو فوق الأسرّة في غرفٍ فقيرةٍ جداً على جدرانها دوماً صور بشار الأسد.
علّقت امرأةٌ على إحدى الصور: "نيالكن، عنكن جمعيات كتيرة بطرطوس ونحن باللازقية ما عنّا".