توقف الأعمال الإنسانية في دير الزور.. عشرات آلاف المحتاجين لن يجدوا بعد اليوم من يساعدهم

دير الزور | من موقع أورينت نت

منذ سيطرة تنظيم "الدولة الإسلامية" على دير الزور، أوقفت معظم المؤسسات والمنظمات مشاريعها الإنسانية، خوفاً من استفادة عناصر التنظيم من هذه المشاريع، مما حرم عشرات آلاف المحتاجين من المساعدة.

لا يجد (س)، وهو ناشطٌ إغاثيٌّ في إحدى بلدات ريف دير الزور الشرقيّ، ما يقوله حين يسأله بعض من اعتاد أن يساعدهم عن موعد السلة الإغاثية القادمة. ويحاول أن يتهرّب من قول أيّ شيءٍ في هذا الخصوص، لأنه يخشى أن يتورّط في الحديث إلى نقطةٍ قد تودي به إلى المساءلة من قبل عناصر تنظيم "الدولة". يقول (س) لـ"عين المدينة" إنه لم يساعد أحداً منذ شهرين، ولا يتوقع أن يفعل ذلك في وقتٍ قريب. و"داعش هي السبب، لا رحمت الناس ولا خلّت رحمة رب العالمين تنزل". يصمت قليلاً ليتأكد أن لا أحد يسمعه ويتابع: "وما يهتمّون بفقير ولا جريح ولا محتاج. ومو شاطرين إلا بتخويف الناس". يشرح (س) طريقة عمله السابقة، ضمن مجموعةٍ من الناشطين: "دائما كنا نجدّد بقوائمنا، ونسأل عن النازحين والجرحى وعن الأيتام. وما نعطي إلا المحتاج واللي يستحق المساعدة". ويبدي رضاه عن عمله السابق، فقد بذلوا كلّ ما يستطيعون من جهدٍ في خدمة الناس، بحسب ما يقول.
تراجع النشــــاط الأهلــيّ بشكلٍ كبيرٍ في دير الزور ابتداءً من شــــهر حزيران الفائت، وهو الشهر الذي أكملت فيه "الدولة الإسلامية" سيــــطرتها على المحافظة. وخضع المشـــتغلون في أعمال الإغاثة والخدمات لتحقيقاتٍ حول عملهم السابق، وألقي ببعضهم في سجون التنظيم بتهمٍ مختلفة. ولم تتضح حقيقة موقف تنظيم "الدولة" من هذه النشــــاطات إلا مؤخراً، إذ لم يعد الأمر مجرّد حرصٍ على النزاهة –كما زعم سابقاً المقرّبون من التنظيم- بل تأكدت رغبته في الاستحواذ والسيطرة على كلّ مفصلٍ من مفاصل الشأن العام، إلا في النواحي التي يدرك تماماً أنه عاجزٌ عن القيام بها. ورافق سلوك "الدولة" هذا إيقافٌ شبه كاملٍ لأعمال المنظمات ذات الطبيعة الإنسانية والخدمية العاملة في المحافظة، بموجب تعميماتٍ أصدرتها الدول المانحة لها، التي تخشى استفادة تنظيم "الدولة" من هذه الأعمال. مما يدفع بالعمل الخيريّ في دير الزور، بأنواعه المختلفة، والخدميّ، إلى الهاوية، وخاصةً مع إحجام منظماتٍ أخرى مثل الهلال الأحمر عن العمل هناك. ويتساءل معلم مدرسةٍ من مدينة البوكمال عن الحكمة في موقف المنظمات الدولية هذا وعن المتضرّر الحقيقيّ منه، فـ"عناصر داعش ياكلون أحسن أكل وما تأثروا أبداً بهالقرارات، لكن النازح والفقير واليتيم والجريح هو اللي راح يجوع".
ويضيف المعلم أن هذا القرار يؤكد أن الدول التي أصدرته إنما تعامل "داعش" على أساس أنها دولة، وأصدرته كشكلٍ من أشكال العقوبات التي تسلكها بعض الدول نحو بعضها في أوضاع الأزمات. وينبّه إلى أن الرأي الذي يقول إن على "داعش" أن تتحمل مســـؤولية الناس هو رأيٌ خاطئ، لأنه يفترض المسؤولية في جـــــماعةٍ تفتقد إليها، بحسب ما يقول.
وبحسب ناشطين، تتحمل "داعش" المسؤولية الأولى عن هذا الحرمان، ولكن يجب على المؤسسات والجهات الداعمة مراجعة مواقفها، لأنها حتماً لا ترغب في معاقبة الطرف الأضعف من المعادلة، وهي لن تلحق أيّ ضررٍ بموارد "داعش" التي لن تنفق على الأعمال الإغاثية شيئاً. ففي البوكمال، على سبيل المثال، وبعد إغلاق جمعية أهل الحديث الخيرية المختصّة برعاية الأيتام؛ لم يُبدِ أمراء "داعش" أيّ اهتمامٍ يذكر بـ(500) يتيمٍ كانت ترعاهم هذه الجمعية، ولن يقدّموا لهم -في حال اهتمّوا بمصيرهم- ما كانت تقدّمه لهم "أهل الحديث" أو غيرها من الجمعيات الخيرية المتوقفة عن العمل.
لم تصمد أمام شروط تنظيم "الدولة" وتضييقه الشديد على المنظمات الإنسانية إلا القليل منها، ولوقتٍ قصيرٍ، بحسب ما حدث في مدن المحافظة المختلفة. ففي مدينة دير الزور توقف مطبخ منظمة روافد الخيرية عن العمل، وهي في طريقها إلى إيقاف باقي أعمالها. وكذلك توقفت الأعمال الإغاثية في كـــــلٍّ من مدن الميادين والبوكــمال وموحســـن والقـــورية والعــــشارة.