أسوةً بالمواطنين، 1300 ليرةٍ تركيةٍ الحدّ الأدنى للأجور
الشكاية من مظالم تقع على السوريين من أرباب أعمالهم واحدةٌ من مفردات الأحاديث اليومية للاجئين السوريين في تركيا. وسوى ربّ العمل قد يشارك وسطاء في خديعة العمال وإنكار حقوقهم.
لم يخطر لأم محمود، اللاجئة العجوز من ريف الحسكة، أن عملها في جني القطن لمدّة شهرٍ كاملٍ سيذهب سدى، إذ أنكر مالك الأرض أيّ حقوقٍ ماليةٍ لها ولعشرٍ من زميلاتها، متذرّعاً أنه سلم أجورهنّ للمشرف أو "الشاووش". تقول أم محمود إن هذا الشاووش هو الوسيط الذي جلبهنّ للعمل في قريةٍ جنوب أورفا تعجز عن نطق اسمها بشكلٍ صحيح، كما تعجز عن تخمين مكان الشاووش الهارب: "يجوز راح على ألمانيا، ويجوز رجع عالرقة، ويجوز لسا بتركيا. الله لا يوفقه وين ما كان".
في 15 كانون الثاني/يناير 2016 أصدرت الحكومة التركية قانوناً ينظّم "أذونات العمل" للسوريين. سمح القانون للاجئين السوريين المسجلين منذ 6 أشهرٍ في تركيا بالعمل بشكلٍ رسميّ، وبالحدّ الأدنى من الأجور ذاته المحدّد للمواطنين الأتراك (1300 ليرة). على ألا تزيد نسبة العاملين السوريين عن 10% من عدد العاملين الكليّ في أيّ شركةٍ أو فعالية عمل. وأعفى القانون العاملين في الزراعة وتربية الحيوانات من الحصول على إذن عمل. فيما استثنيت عددٌ من المهن، مثل الطب وطب الأسنان والمحاماة، من هذا القانون، مع إمكانية شمولها به في حال تمكّن العامل في إحداها من الحصول على رخصة عملٍ من الوزارة المختصّة.
استثنيت الأعمال الزراعية الموسمية من القانون الصادر مؤخراً حول إتاحة وتنظيم عمل اللاجئين السوريين، مما يجعل زيادة معدّل أجور عمال الزراعة اليوميّ (20-30 ليرةٍ تركية) أمراً غير ممكن. وربما يعيد أرباب العمل في المجالات الأخرى حساباتهم، إذ لم يعد تشغيل السوريين مربحاً إلى حدٍّ كبيرٍ بعد مساواتهم مع العمال الأتراك في الحدّ الأدنى للأجور. ولكن القانون لم يطبّق حتى الآن، فما زال عدد ساعات العمل اليومية 12 ساعة، وما زال المعدّل الوسطيّ لأجور السوريين 600-700 ليرةٍ في الشهر، وفي كثيرٍ من الحالات يحتفظ أرباب العمل بأجر شهرٍ كاملٍ للعامل السوريّ في ذمتهم لضمان استمراره في العمل. وإلى جانب انخفاض الأجور وساعات العمل الطويلة، عمل اللاجئون السوريون خلال السنوات الفائتة دون أيّ ضماناتٍ تحفظ حقوقهم في حالات الإصابة أثناء العمل، وسُجّلت حالات وفاةٍ وإصاباتٍ دائمةٍ لم يقدّم فيها أرباب الأعمال أيّ تعويضاتٍ للعامل نفسه أو لعائلته في حالة الوفاة. ويتجنّب معظم العمال المصابين التقدّم بشكوى لدى السلطات في حال تنصّل مشغليهم عن المساعدة، فقد كان تشغيل اللاجئين السوريين مخالفةً للقانون تقع مسؤوليتها على العامل أيضاً، رغم تجاهل السلطات هذه المخالفة في الأحوال العادية. يقول سعيد، وهو نازحٌ شابٌّ من محافظة دير الزور، إنه طرد من عمله في مصنع أحذيةٍ في اليوم التالي لإصابته بصعقةٍ كهربائية، دون أن يقدّم رئيسه في العمل أيّ مبرر. وعلى عكّازٍ يحاول عبد الله، وهو معلم بناءٍ من حلب، أن يروي كيف سقط من مكانٍ مرتفعٍ في مبنىً قيد الإنشاء مما أدّى إلى كسورٍ عدّةٍ في ساقه. ويقول إن العمليات الجراحية الصعبة التي أجريت له لم تنجح في أن يستغنى عن العكّاز. اقتنع عبد الله بمبلغٍ زهيدٍ دفعه له صاحب العمل كتعويض، وهو ينتظر الوقت الذي يستعيد فيه قدرته على العمل مجدّداً.
ولا يبدو أن الأرفع تعليماً والأكثر خبرةً بين اللاجئين أوفر حظاً، إذ يعمل كثيرٌ من الخرّيجين الجامعيين في مهنٍ يدويةٍ بعيدةٍ عن اختصاصاتهم، ويحاول بعضهم تعلم اللغة التركية لتحسين فرصهم في الحصول على وظائف مناسبة. تعلم التركية هو الوسيلة الوحيدة الممكنة، حسب ما يقول علي، وهو مهندسٌ مدنيٌّ من إدلب سئم من تنقله بين ورش البناء بأجرٍ منخفض: "طبيعي لازم نتعلم لغة، بدون اللغة صعب يستفيد أيّ سوري من دراسته أو خبرته. ومو معقول مقاول تركيّ مثلاً يشغّل مهندس ما بيعرف يحكي معه كلمتين". ويبدو الجهل باللغة التركية عاملاً أساسياً في الحالة المزرية التي تشهدها سوق عمل اللاجئين، ويلحظ تحسّن فرص الناطقين أو الملمين بها في العثور على أعمالٍ مناسبة.