بين "تعويم" الأسد ومحاربة داعش

جولات البحث الدوليّ عن "مخرَجٍ سياسيٍّ" تستمرّ

شهدت الأيام الماضية جملةً من التحرّكات الدبلوماسية لمسؤولي الدول الإقليمية والغربية المعنية بالملف السوريّ، وذلك بعد طرح المبعوث الدوليّ ستيفان ديمستورا لمبادرة حلٍّ سياسيٍّ بتشكيل هيئة حكمٍ انتقالية. وفي هذه الأثناء، عقدت وفودٌ من المعارضة السورية، أبرزها وفد الائتلاف الوطنيّ، اجتماعاتٍ في موسكو مع وزير خارجيتها سيرغي لافروف، وسط حديثٍ مكرّرٍ عن تغيّرٍ في الموقف الروسيّ من القضية السورية. لكن، حتى الآن، لم ترشح عن جولات المسؤولين وتصريحاتهم أيّ مستجداتٍ جديةٍ، ليبقى الحلّ السياسيّ المفترض عالقاً بين ثلاث نظرياتٍ تحكم الرؤى الدولية على أرضية محاربة داعش، وهي:

تعويم الأسد.. وداعش أولاً

مع ظهور داعش في العام الفائت؛ لم توفر موسكو -وطهران في صفها بالطبع- جهداً لدفع وإقناع الولايات المتحدة الأمريكية والدول الأوربية بهذه النظرية. إذ وجدت روسيا في محاربة التنظيم الفرصة التي يمكن من خلالها إعادة إنعاش النظام ليقوم بالمهمة التي تأخذ جلّ الاهتمام الأمريكيّ والغربيّ الرافض للتورّط المباشر على الأرض، والمتقاعس في دعم الفصائل الثورية المقاتلة للنظام. لكن يبقى الأساس لهذه الفرضية أن روسيا وإيران هما حليفتان مباشرتان للأسد في حربه على المنتفضين السوريين، وهذا ما عبّر عنه وزير الخارجية الروسيّ لافروف مراراً، وكرّره مؤخراً عقب لقائه هيثم مناع (عضو لجنة المتابعة لمؤتمر القاهرة2) بقوله: "إن طرح رحيل بشار الأسد كشرطٍ مسبقٍ لتسوية النزاع غير مقبولٍ بالنسبة إلى روسيا". لكن القوى الغربية لا تبدو في وارد الاتفاق مع الرؤية الروسية المنحازة للأسد، فضلاً عن أنه لا توجد أيّ دلائل على نجاعة هذه الرؤية في ظلّ العجز الذي أحاق بقوّات النظام، وتعقيدات الوضع الميدانيّ والإقليميّ. ولذلك تبقى المباحثات والمشاورات التي تسعى روسيا خلفها استمراراً لنهج التعامل مع الثورة السورية على أنها مشكلةٌ سياسية، وهذا ما لا يصدّقه سوى النظام وحلفائه وبعض "معارضي" التيار الثالث الموهومين بأن الثورة مشكلة سياسية وحلها يكمّن من خلال "السياسة".

داعش أولاً والأسد ثالثاً

عادت الخارجية الأمريكية، في بيانٍ لها منذ أيامٍ "لتؤكّد على التزام الولايات المتحدة بقوّةٍ بتحقيق انتقالٍ سياسيٍّ حقيقيٍّ تفاوضيٍّ بمعزلٍ عن بشار الأسد"، الذي وصفه البيان بأنه يغذي الإرهاب والتطرّف. لكن الدور الذي تلعبه واشنطن اللاهثة نحو إقامة أحلافٍ لمحاربة داعش، مع إغماض الأعين عن جرائم الأسد؛ دفع الكثير من المراقبين إلى وصف الموقف الأمريكيّ بالمتخبّط، وأن قرار إدارة أوباما القطعيّ بعدم التدخل العسكريّ المباشر على الأرض حدا بصناع القرار في البيت الأبيض إلى وضع مسألة إسقاط الأسد ونظامه على ثالث سلم الأوليات، ليسبقها تحجيم داعش في المرتبة الأولى، والبحث عن بديلٍ متماسكٍ ومقبولٍ عن النظام الأسديّ في المرتبة الثانية، مما سيتطلب مزيداً من الوقت قد تتكفل الوقائع الميدانية باختصاره.

الأسد أولاً ثم داعش، أو داعش والأسد معاً

ربما كان مطلب إسقاط نظام الأسد قبل محاربة داعش مطلب غالبية السوريين والدول الإقليمية، كتركيا والسعودية وقطر. كان ذلك إلى حين تشكّل التحالف الدوليّ، منذ ما يقرب العام من الآن، بعد تصاعد عمليات التنظيم وانتهاكاته. وإثر ذلك؛ تحوّل مطلب تلك الدول إلى الإصرار على محاربة الطرفين معاً، مسايرةً للتوجّهات الأمريكية من جهة، وتلبيةً لمصالح هذه الدول ذاتها من جهةٍ أخرى. إذ تعتبر السعودية القضاء على الأسد بمثابة هزيمةٍ كبرى للدور الإيرانيّ في المنطقة، الذي وصلت به الوقاحة حدّ التوسّط في الهدن في الزبداني التي تحاصرها ميليشيا حزب الله اللبناني منذ ما يناهز الـ60 يوماً، وقبلها في حمص القديمة. وكذلك الأمر بالنسبة إلى تركيا وقطر، كلٍّ وفق مصالحه. أما فيما يخصّ محاربة داعش فإن القضاء على هذا التنظيم بات مطلباً سورياً ملحاً بعد الجرائم التي ارتكبها ويرتكبها بحقّ مئات الألوف من السكان الواقعين تحت سلطته، وحصار مئات آلافٍ آخرين في مدينة دير الزور، وما يقترفه مؤخراً من احتلال وقصف مدن وبلدات الريف الحلبيّ المحرّر، على رأسها مارع وحريتان.

يبقى أن جميع المبادرات السياسية لن يكتب لها النجاح إذا لم ترقَ إلى ملامسة مطالب السوريين الذين يواجهون وحدهم براميل النظام ومجازره ومفخخات تنظيم البغدادي وإجرامه، والذين وحدهم سيقاتلون من أجل الانصياع لمطالبهم.