بعد منع داعش النساء من السفر...

طالباتٌ يلجأن إلى التهريب لإكمال دراستهنّ الجامعية

أدّت الإجراءات التي يتّبعها تنظيم الدولة فيما يخصّ منع سفر النساء وتنقلهنّ إلى خارج المناطق التي يسيطر عليها، إضافةً إلى سياساته على المستوى التعليميّ؛ إلى توقف أعدادٍ كبيرةٍ من الفتيات عن متابعة دراستهنّ، وخصوصاً الدراسة الجامعية التي تتطلب السفر إما إلى الخارج أو إلى الجامعات في المحافظات الواقعة تحت سيطرة النظام.

لم يكتفِ تنظيم الدولة بإغلاق المدارس والجامعات في المناطق التي يسيطر عليها، بل زاد على ذلك جملةً من القوانين التي تحدّ من قدرة الطلاب على متابعة دراستهم. ومن ذلك منع الطلاب، ذكوراً وإناثاً، من إكمال الدراسة بكافة مراحلها، بحجّة أنها تتضمن مناهج كفريةً لا تتوافق وشريعة التنظيم، وبذلك يصبح خيار متابعة الدراسة الوحيد هو الالتحاق بجامعة الموصل التابعة للتنظيم في العراق. بالإضافة إلى منع النساء دون سنّ الخمسين من السفر إلى مناطق النظام إلا بموجب تقريرٍ طبيٍّ مختومٍ ومصدّقٍ من اللجنة الطبية التي قام التنظيم بإنشائها، والتي تمنح إذن السفر إلى مناطق النظام بقصد العلاج بعد أن يتبين تعذّر علاج المريضة التي طلبت الإذن في مشافي "الولاية".

لكن، ومع ذلك، تلجأ العديد من الطالبات في الرقة وغيرها إلى السفر تهريباً إلى مناطق سيطرة النظام، رغم معارضتهنّ له، لإكمال دراستهنّ في جامعات مدن دمشق وحمص والحسكة، ورغم المشقة والمخاطر الجدّية التي تحيق بالرحلة.

تروي الطالبة م. ع، من قسم اللغة الإنكليزية في "جامعة البعث"، واصفةً معاناة طالبات الجامعة لـ"عين المدينة": "كنا نختبئ في برّاداتٍ كبيرةٍ متنقلةٍ، وفي شاحنات نقل بضائع أو في شاحناتٍ لنقل الأغنام والأبقار في بعض الأحيان، كي لا نضطرّ إلى الوقوف على حواجز التنظيم. وذلك لقاء مبلغ 18 ألف ل.س عن كلّ طالبة. فنصل إلى مدينة حمص، ومنها تكمل بعض الطالبات إلى العاصمة دمشق بالباص".

في حين تقول الطالبة د. م، من قسم الهندسة الكهربائية بجامعة دمشق: "أسافر مع طالباتٍ أخرياتٍ الساعة الثالثة بعد منتصف الليل، بالاتفاق مع سائق ميكرو، مقابل مبلغ 15 ألف ل.س عن كلّ طالبةٍ، لنصل إلى مدينة حماة. يستغرق طريق السفر قرابة الـ10 ساعاتٍ خوفاً ومعاناةً. ثمّ تكمل كلّ طالبةٍ طريقها بمفردها؛ فبعضهن يقصدن مدينة حمص، والبعض الآخر يتّجهن إلى الحسكة، أما أنا فأذهب إلى دمشق حيث كليتي". وتعليقاً على سير الرحلة ومخاطر حواجز التنظيم تضيف: "كلما مررنا بحاجزٍ يسأل أحد عناصره السائق "من الأخوات؟"، فيجيبه قائلاً: "يا أخي هذنّ بنات أختي"، ثم يدفع له مبلغاً من المال. شوفير الميكرو مشتري الطريق والحواجز. ومو رايحة غير عالشعب المسكين".

ولم يقتصر الأمر على طلاب وطالبات الجامعة، فقد شمل أيضاً طلاب وطالبات الشهادتين الإعدادية والثانوية، الذين اضطرّ الكثير منهم إلى السفر تهريباً بنفس الطرق السابقة، حسبما أفادت بعض أسر الطلاب، في حين أجبر العديد من الطلبة على ترك الدراسة، مثلما حدث مع طالبة الطب البشريّ في جامعة الفرات س .ع، التي تقول: "لديّ خمسة أخوةٍ؛ ثلاثة منهم في المرحلة الجامعية، وواحد طالب تاسع، وواحد بكالوريا. وما من معيلٍ لعائلتي. استشهد والدي منذ عامين، ووالدتي تعمل في الخياطة. وبسبب التكلفة المادية العالية للسفر إلى مناطق النظام، والظروف المادية السيئة، أُجبرتُ على العمل مع والدتي وترك دراستي أنا وأخوتي من أجل كسب لقمة العيش".

أدّت ممارسات وضغوطات التنظيم إلى نزوح عددٍ كبيرٍ من العوائل إلى خارج مناطق سيطرته، من أجل دراسة أولادهم أو العلاج الطبيّ بحسب الإمكانيات والظروف المتوافرة. ولا يعدّ إصرار الأهالي على استمرار أبنائهم في التحصيل العلميّ سوى فعل مقاومةٍ لسياسات التنظيم وقوانينه المستهجنة.