بعث معدان وسلفيتها وحراكها الثوري

للبعث قصب السبق في ناحية معدان، فمعه عرف الأهالي بدايات العمل الحزبي، وانخرط فيه الكثير من أبناء المنطقة بالعموم، واكتسبت في صعوده زخماً في إعمار المدارس والمراكز الصحية وافتتاح الجمعيات الفلاحية وجمعية الغنامة في البلدة، ثم المصرف الزراعي. واستمرت المنطقة تمد البعث بالعديد من كوادره. أما الأحزاب الباقية فدون امتداد شعبي، رغم حضور بعض أحزاب الجبهة كالوحدويين الاشتراكيين (مصطفى العليوي)، ثم حزب التحرير الإسلامي (فرج الشعبان)، وأحزاب التجمع الديمقراطي المعارض (أحمد الحمد من العمال الثوري، وعبد الله خليل من الاتحاد الاشتراكي)، إلا أنها بقيت بلا فاعلية واضحة أمام حزب البعث الذي سلح أتباعه في معدان يوماً وخوّفهم من هجوم الأكراد على خلفية إعلان دمشق، إلى جانب المد السلفي المتصاعد الذي صحت أحلامه بعد الثورة.

يرد في سجل الخطابة والإمامة والإفتاء في معدان اسم طه الحسون الطائي، المقرب من الشيخ محمد العرفي المتأثر بالوهابية، لكن من غير المعروف إن كانت له صلة بسلفية معدان القديمة نسبياً في المنطقة الشرقية، ويعيدها البعض إلى معلم شامي فلسطيني كان يدرّس في المنطقة، تزوج ابنته أبو السعود الكويتي، وبتأثير منه انتشرت السلفية. على أن شكلها السابق لا يشبه بأي حال السلفية التي ظهرت بعد الثورة، فرغم أن بعض أقطابها في محافظة الرقة من أبناء ناحية معدان، مثل سالم الحلو ورمضان رمضان، مارسوا منذ وقت طويل الحسبة الاجتماعية، إلا أنهم، كما يرى البعض، كانوا أقرب إلى المداخلة (تيار شرّع لدخول القوات الأجنبية إلى منطقة الخليج، ويعارض الخروج على الحاكم). ويلخص أحد أبناء معدان علاقة الخطباء، بشقيهم السلفي والصوفي، مع النظام قبل الثورة، أن الأخير «عمل لهم سوفت وير»، فصار الواحد منهم، بعد استدعاءات أجهزة الأمن المتكررة، يعرف المحظور والمسموح. إلا أن مشاهير المنطقة من السلفيين سيكون لهم دور بعد الثورة في «الدعوة والتقاضي» حتى عند سيطرة جبهة النصرة على المنطقة، والتي تحولت بدورها إلى تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، بعد اشتباك قصير مع أحرار الشام في بداية 2014.

لم يسجل أي موقف من الثورة، سلباً أو إيجاباً، للشيوخ التقليديين في ناحية معدان، كأبناء حاجم الشبلي من العبد الله وعلي سالم العبد السفيرة، وهم يعيشون اليوم منكفئين في دمشق أو السعودية. بينما أخذ زمام المبادرة آخرون ليس لهم امتداد عشائري في معدان، كابن لادن (أحمد الخليفة)، والقسورة (سعودي الجنسية)، إذ نشطا في استقطاب المقاتلين والأتباع في كنف عوائل يعمل أبناؤها في الزرقا الأردنية، ثم شكلا خلايا داخل النصرة مهدت الطريق لسيطرة داعش.

من المظاهرتين اليتيمتين في نهاية 2011، مرورا بتشكيل الجيش الحر، ثم بطرد قطع النظام من بعض المواقع، وانسحابه من مواقع أخرى، تحت ضغط هجوم كتيبة صقور السنة من معدان ولواء جعفر الطيار ولواء الأمة من دير الزور في بداية 2013، ثم تشكيل المجلس المحلي، ثم سيطرة داعش على المنطقة، ثم، ومنذ أكثر من ثلاثة أشهر، إحكام قوات سوريا الديمقراطية سيطرتها على الضفة اليسرى لنهر الفرات، في الجهة المقابلة لمعدان؛ لا يبدي أهالي المنطقة تفاعلاً ملحوظاً مع الأحداث. وفي ظل سيطرة داعش على معدان من الصعب رصد أمزجة أهاليها ومعرفة موقفهم من قوات سوريا الديمقراطية، التي لا يفصل بينهم وبينها سوى النهر، والقرار الأميركي لعبوره.

 

أجرت مجلة «عين المدينة» استطلاعاً محدوداً للرأي في أوساط اللاجئين من معدان في ولاية أورفا التركية، طرحت فيه ثلاثة أسئلة على 83 شخصاً وفق ما يلي: