- الرئيسية
- مقالات
- رادار المدينة
الواقع التعليميّ في مدينة القوريّة نقمةٌ على النظام وعتبٌ على الثورة
أطفال في المدرسة - القورية - عدسة محمود
في ظلّ الظروف الحالية وغياب الدولة البديلة وعجز الثورة وحالة الفراغ الذي لم تملأه قوى الثورة؛ بدأت المناطق "المحرّرة" تعيش في أزمةٍ حقيقيةٍ متفاقمةٍ على كافة المستويات يوماً بعد يوم. ومنها المستوى التعليميّ الذي انحدر وتراجع بشكلٍ حادٍّ نتيجة وقوعه بين سندان النظام ومطرقة الثورة.
إذ تعاني المـــدارس في مدينـــة القوريّة، مثلها مثل بقية المناطق المحرّرة، من أزماتٍ متراكمةٍ ومتتابعةٍ دفعت كثيراً من الطلبة إلى ترك المدرسة والتوجّه إلى ساحات القتال أو الانصراف إلى شؤونٍ أخرى بعضها يهدّد الأمن الاجتماعيّ. فالأزمات بدأت فعلياً بتخريب وسرقة مؤسسات الدولة عامةً بما فيها المدارس، عملاً بحجة إسقاط النظام، بينما الذي حصل فعلياً هو إسقاط المؤسّسات التي هي ملكٌ الشعب. ولم يتمّ التمييز بين هذه المؤسّسات الوطنية بوصفها بنىً تحتيةً للدولة والشعب وليست للنظام، مما أدى عملياً إلى سقوط الدولة وبقاء النظام والإضرار بمكانة الثورة ودورها.
ومن الأزمات المتراكمة والمتتالية أزمة تسرب الطلاب من المدارس وما لها من منعكساتٍ خطيرةٍ على مستقبلهم قد تؤدّي إلى ضياعهم ودخولهم عوالم غير طبيعيةٍ بالنسبة إليهم كطلبة. فعلى سبيل المثال لم يداوم في الصف العاشر في ثانوية الزوية سوى عشرة طلابٍ فقط، بينما كان عدد طلاب هذا الصفّ قبل الثورة يقارب المئة طالب يداومون في ثلاثة شعبٍ صفّية. هذا أولاً، أما ثانياً فهناك أزمةٌ أخرى تتمثل باحتلال بعض كتائـــــب الجيش الحرّ للمدارس وتحويلها إلى ثكناتٍ عسكرية. وكذلك مشكلة اللاجئين القاطنين في المدارس، والتي تمّ التغلب عليها بشكل جزئيّ. أما المشكلة الثالثة فتمثلت بغياب الكادر التعليميّ الأساسيّ من مدرّسين ومعلمين، الذين فصلوا لمواقفهم المؤيدة للثورة ليحلّ مكانهم آخرون نصف متعلمين وغير مؤهلين أبداً للتدريس، والذين يطلق عليهم تندراً لقب "وكلاء الثورة". وقد حدث ذلك بتخطيطٍ من بعض الكوادر الإدارية والتعليمية التقليدية القديمة المتشرّبة بأفكار السلطة والبعث ومناهج الوطنية والقومية التي تمجد الأسد وأباه. وتضاف إلى هذه المشاكل في حقل التعليم ندرة الكتب المدرسية، التي لا يمكن الحصول عليها اليوم إلا من السوق وبأسعارٍ مرتفعة.
أما المشكلة الرابعة فهي مشكلة الأساتذة الذين انضموا إلى صفوف الثورة وقطعت رواتبهم، مما دفع بهم إلى مصائر غريبةٍ نوعاً ما. وكما يعلق الظرفاء على المعلمين المفصولين: إن لم تحصل على منصبٍ قياديٍّ في الجيش الحرّ لم يبق أمامك إلا المزاد لتعمل عتالاً فيه، كما حصل لبعض الأساتذة الشرفاء.
والمشكلة الخامسة هي التدخل السلبيّ من قبل الراعي والفلاح والشيخ وبعض كتائب الجيش الحرّ في العملية التعليمية، كلٌ حسب هواه. فبعض الفصائل المقاتلة تريد فرض أيديولوجيتها على المدارس، كفرض لباس معيّنٍ على الطلبة.
يقول مدير مكتب التربية في المجلس المحليّ لمدينة القورية، الأستاذ عدنان العكلة، إن المجلس يحاول قدر المستطاع، وبالإمكانيات المتواضعة، توفير بعض مستـــلزمات المـــدارس من كتبٍ وقرطاسيةٍ ومقاعد وخزّانات مياه. ولكنه، بهذه الإمكانيات ونقص الدعم من الائتلاف والجهات الوطنية الأخرى، أصبح عاجزاً عن توفير متطلبات المدارس والطلاب، إضافةً إلى عدم امتلاكه أيّة سلطةٍ ملزمةٍ لإخراج بعض الكتائب واللاجئين من المدارس.
أما الأستاذ نادر الخيري (مدرّس لغة إنكليزية) فقال: هناك تراجعٌ واضحٌ في مستوى التعليم في المدينة، وهذا يعود إلى عدّة أسبابٍ منها عدم تمكن طلاب الشهادتين الإعدادية والثانوية من تقديم الامتحانات في المناطق الخاضعة للنظام خوفاً من الاعتقال، وكذلك نقص التجهيزات اللازمة للعملية التعليمية، والتي تمّت سرقتها من المدارس.
إن غيــــاب المدرسـة السوريّة الطبيعية سيدفع هذا الجيل إلى الالتحاق بمدارس أخرى هي مدارس الظلام، مدارس الانحـــــــــلال الأخلاقـــي والضياع في دروب المجهول الذي لا يبشر ببناء أجيال العلم والمعرفة. ومن المعروف أن هدم أيّ مجتمع يتم من خلال هدم العملية التعليمية في هذا المجتمع، ولذلك فإننا أمام آفةٍ ستهدّد بناء سورية المستقبل.