- الرئيسية
- مقالات
- رادار المدينة
الهروب من (سوريا الأسد) في حماة بأي ثمن .. أزمة جوازات وأبواب مغلقة وتعقيدات الإجراءات ومكاتب السفر
من "حضن الوطن" المتشدّد أمنياً، خرج سوريون بمنشورات وتسجيلات مصوّرة على حساباتهم في منصّات التواصل الاجتماعي، منتقدين بسخرية الأوضاع المعيشية والخدمية، تزامناً مع حلول العام الهجري الجديد وما صاحبه من قصصٍ تستذكر هجرة النبي محمد وصحبه قبل قرونٍ خلت؛ في حين تجمّع آخرون بطوابير أمام أبواب دوائر الهجرة والجوازات، وعينهم على مكانٍ جديد يكون فيه "حاكم لا يظلم عنده أحد"، وكهرباء وماء وخبز وكرامة وأمان، حسبما يقولون نسجاً على حكاية الهجرة.
تشهد المدن السورية حوادث أمنية واعتقالات سياسية، وأخرى للسوق إلى التجنيد، وسط بروز حوادث الخطف والجريمة، كما تزداد معدّلات الجوع متجاوزة 90% من السكان، الذين يعيشون أزمات معيشية متتالية دون وجود أي أمل في أفق البلد الذي أطلقت عليه وسائل إعلام موالية "بلد الطوابير"، آخرها الازدحام أمام دوائر الهجرة في المحافظات وعجز المديريات عن توفير الجوازات للمواطنين.
"الأمل بالعمل"
من بوابة فرع الهجرة في مدينة حماة وسط البلاد، إلى أروقتها وأدراجها الرخامية، وغرف الموظّفين التي غطّت جدرانها صور لرأس النظام بشار الأسد ووالده حافظ، يمضي "حسين" نهاره الثالث دون أن يحصل على جواز سفر.
"انتهي الدوام اليوم ولم أتمكن من إقناعهم بالحصول على جواز سفر مستعجل"، يقول الشاب العشريني بينما يلفّ سيجارة تبغ محلي أمام باب الهجرة.
يشرح الشاب ذو الاسم المستعار أسباب تفكيره بالسفر، فهو لا يريد أن يمضي عمره عسكرياً في قوات النظام، خاصّة أن تأجيله الأخير ينتهي في غضون أشهر، ولا أن يعيش حياته على طوابير الخبز، كما أنّه يريد مستقبلاً وفرص عمل تليق بشهادته الجامعية، على حدّ تعبيره.
ويضيف: "الغريب هو أن يسألني أحد لماذا أسافر؟ السؤال لماذا لا أسافر! تخيّل أنني بعد كل هذا الركض في الحر، لن أستحم لأن المياه مقطوعة".
ويهمس حسين بعد أن تلفّت متفقداً جواره بحذر: "ما في شي بالبلد، ولسا على كل حيط صورة للأسد وعليها مكتوب الأمل بالعمل (شعار حملة الأسد الانتخابية) أي أمل وأي عمل؟!".
رشاوى في الهجرة
أواخر تموز الماضي، خرج وزير الداخلية في حكومة النظام محمد رحمون عن صمته، حيال أزمة جوازات السفر، مبرراً ما يجري بأنّه لأسباب فنية لم يوضّحها.
وقال في تصريحات لتلفزيون النظام الرسمي، إنّ المشكلة ستستمر حتى يوم 20 آب الجاري، مستدركاً بأنّه أعطى تعليمات مستعجلة لمديريات الهجرة والجوازات في مختلف المحافظات، تقضي "بمنح الجوازات المستعجلة بشكل فوري، وكذلك منح الأشخاص الذين لديهم بطاقات سفر أيضاً جوازات قبل الموعد المحدد في بطاقاتهم".
لكنّ حسين كان يريد الجواز لإرفاقه في ملف سيقدّم من خلاله على دراسة جامعية في إحدى البلدان المجاورة، وبالتالي فإنّه لا يملك أوراقاً كاملة وموعد انتهاء التسجيل يوافق 20 آب أيضاً.
ويتّبع سوريون طريقة تأمين القبول الجامعي في بلدان مثل تركيا للحصول على فيزا تكون أقل تكلفة بكثير من غيرها. "دفعت 50 ألف هون وهون، وموعود بهل يومين يمشي الحال" يختم حسين حديثه، مشيراً إلى أنّ كل ورقة في دائرة الهجرة تحتاج إلى دفع الرشى.
الهجرة والجوازات في حماة - من صفحة "المركز الإذاعي والتلفزيوني في محافظة حماة" على الفيسبوك
عائلات تبحث عن الخلاص
لا تقتصر الهجرة على الشبان الملاحقين بشبح الخدمة العسكرية غير المحدودة بزمن، بل تشمل عائلات أو من تبقى منها في "حضن الوطن"، وسط مطالبات من مسؤولين بعثيين للناس بمزيد من الصمود أمام "الحرب الاقتصادية".
لكنّ تلك الدعوات لم تعد تقنع أم محمد وهي امرأة في الستين من عمرها تقف مع ابنتها على أبواب الهجرة. تقول المرأة: "جئت لتجديد جواز السفر حتى أسافر، لكنّ رئيس الهجرة أبلغني أن علي الانتظار لشهرين بسبب الأزمة".
وأضافت أنّها ستخبر ابنها ليرسل لها ولابنتها بطاقة حجز بالطائرة حتى تتمكن من تجديد جوازها واستصدار آخر لابنتها بطريقة مستعجلة.
كرّرت المرأة ما قاله الشاب حسين بشأن الوضع المعيشي والخدمي، عند سؤالها عن سبب الهجرة، وزادت عليه بصوت لوّنه الحنين أنّها منذ 7 سنوات لم تلتقِ بابنها البكر، وأنّها ودّعت قبل 3 سنوات ابنها الأصغر. وقالت: "آن الأوان لنجتمع، ما ضل من العمر كتير".
وعن سبب بقائها في سوريا، أوضحت المرأة أنّها كانت تنتظر ابنتها حتى تتخرج من جامعتها، كما أنّها كانت تعتقد أن "الأزمة" ستنتهي.
وتعيش مدينة حماة وسط سوريا، تقنين الكهرباء بساعات تتجاوز 20 ساعة قطع في اليوم، وهو ما يلقي بظلاله على المياه التي تفاقمت أزمتها أيضا لتغيب أياماً في الأسبوع.
طريق محفوفة بالمخاطر والتكاليف
أغلب الذين التقيناهم وهم 6 أشخاص، تشاركوا مبررات السفر ذاتها تقريباً، لكنّهم امتنعوا عن الإفصاح بشكل واضح إلى أي البلدان سيتّجهون، وسط تشديد دول العالم إجراءاتها في وجه السوريين خصوصاً لاعتبارات عدّة لا علاقة لها بكورونا.
إلّا أنّ أصحاب مكاتب مختصة بالسفر وتأمين التأشيرة (التفييز)، أوضحوا أنّ الراغبين بالسفر ازدادوا عن العام الماضي في هذا الموسم، مشيرين إلى أنّ الشاب أو الصبية يأتون إليهم ليسألوا عن تكاليف السفر، ليستطيعوا تحديد وجهتهم.
وقال اثنان من أصحاب المكاتب إنّ رومانيا حتى الآن تحتل المرتبة الأولى، تليها تركيا وأربيل، والإمارات ومصر.
ويتّبع السوريون طرقاً لتوفير تأشيرة عبور (فيزا)، وغالبا ما تكون هذه الطرق باهضة التكاليف، ومحفوفة بمخاطر عدّة، فيسعى قسم منهم إلى تحصيل قبولات جامعية في رومانيا بتكلفة تصل إلى 5 آلاف يورو، ومن ثم ينتقلون منها بطريقة غير شرعية إلى أي دولة أوروبية أخرى أفضل حالاً.
ووفقا لأصحاب المكاتب فإنّ تكلفة السفر إلى أوروبا مع الفيزا الدراسية إلى رومانيا تتراوح بين 8 و10 آلاف يورو للشخص، وفي حال بصم الطالب في رومانيا فإنّه سيعلق في البلد الأوروبي الهامشي الفقير، ولن يستطيع أن يطلب اللجوء في أي بلد أوروبي آخر.
أمّا بالنسبة إلى تركيا، فتوفير القبول الجامعي لا يكلّف أموالاً طائلة، فيما تكلّف الفيزا السياحية 4500 $ على الأقل، بالإضافة إلى وجود منفذٍ آخر هو توجيه شخصٍ مقيم في تركيا دعوةً لأقارب من الدرجة الأولى ضمن شروط محددة أبرزها رصيد بنكي نشط يتجاوز 4 آلاف دولار.
سعيد كميل، شاب سوري يقيم في تركيا ويدير مكتباً للخدمات الطلابية في مدينة أنطاكيا، يقول أنه يفاضل لطلاب من مختلف المحافظات السورية في مناطق سيطرة النظام لتوفير قبولات دراسية لهم في تركيا.
ونوّه في حديثه إلى أنّ هذا العام شهد تضاعفاً بعدد المتقدّمين للمفاضلة الطلابية. وقال: الهدف من العملية توفير فيزا، لكن هذا الأمر ليس بالسهل، فالسفارة لا تمنح الفيزا بهذه البساطة حتى لو حصل الطالب على قبول جامعي.
"بين نارين"
بين الحين والآخر تخرج إعلانات ترويجية لمكاتب مختصّة بالسفر، آخرها كان لمكتب "الشمالي"، في شارع 8 آذار وسط حماة، يقول في إعلانه الذي وصف بالمستفز: إذا أردت أن تكون "مخلل، خليك بالبلد، وإذا أحببت أن تكون مربى تفضل سافر من عنا".
ويشتكي سوريون من المكاتب التي توحي لهم بأنّ السفر مضمون وسهل، ولا يتطلب منهم سوى الدفع.
وهو ما حصل مع مريم، التي عادت من أحد المصارف لترتيب فتح حساب بنكي ستضع فيه نحو 30 مليون ليرة سورية، كي تسحب منه كشفاً وترفقه بملفها الذي ستقدّمه للقنصلية الرومانية، بغرض الحصول على فيزا دراسية.
تؤكّد مريم أنّها سلّمت نفسها آخر المطاف للمكاتب، مشيرة إلى أنّهم في البداية يتحدّثون عن فيزا مضمونة وإجراءات سهلة، لكنّ كل هذا وهم، فعندما تدفع لهم أول دفعة ستبدأ بالاصطدام بالصعوبات، ولن تجد مصرفاً يعطيك كشفاً بالحساب قبل 6 أشهر من فتحه، وبالتالي لن يكتمل ملفك.
وأوضحت مريم أنّها لا يمكن أن تبقى في سوريا، وهي مضطرة للمقامرة بالسفر، وتقول: أنا بين نارين.
تؤكّد الصبية التي تخرّجت قبل شهور من كلية التربية/ معلم صف، أنّ الهجرة ليست حكراً على الشبان، وتضيف مازحةً "كنا نقول إنّ حماة أصبحت مدينة زهرة لخروج الشبان منها، لكنّها قريباً ستصبح قاحلة تماماً".