الميادين... شيكاغو الصغرى

عبود ضويحي  
رقية البشير

يشتم الثوار السلميّون في مدينة الميادين بشار الأسد عشر مرات في اليوم لأنه مجرم، ومئة مرةٍ لأنه دفع الناس إلى حمل السلاح، فانكسرت هيبته في عين من هبّ ودبّ، وخاصةً ممن لم يعتادوا حمله من قبل. ولا بدّ لكل زائرٍ للميادين أن يتذمّر من رؤية شبانٍ صغارٍ أو مراهقين يمتشقون البنادق بأنواعها المختلفة، والمسدسات الحربية، والرشاشات، وربما القنابل اليدوية أيضاً، في مدينةٍ محرّرةٍ منذ وقتٍ طويل، ومن دون مبررٍ منطقيٍ سوى الاستعراض، وفق ما يفسّر مدرّسٌ ظاهرة الفوضى في حمل السلاح. ويضيف هذا المعلم بأنه لا يريد لأولاده أن ينشأوا في بيئةٍ تشبه بيئة العصابات. إنه تعبيرٌ غاضبٌ من معلم المدرسة، ولكنه صحيحٌ على الأرجح. فهؤلاء الشبان الذين ينسبون أنفسهم إلى الجيش الحرّ، والعاطلون عن القتال، لا يردعهم عن عالم العصابات سوى ما تبقى في أنفسهم من اعتباراتٍ اجتماعية وأخلاقية، وما من رادعٍ آخر. فالسلطات المحلية الثورية في المدينة لا حول لها ولا قوة أمام هذا الانتشار الكبير للسلاح.

 

قائد الكتيبة الأمنية

مع قائد الكتيبة الأمنية

يسرد قائد كتيبة الشرطة المحلية في الميادين، الدكتور أحمد الحمد، لـ"عين المدينة"، عدداً من العوائق التي تواجه قوة الشرطة المدنية تلك. ويأتي في مقدمتها قلة العناصر المنتمين إلى كتيبته التي تحاول أن تضبط هذا الظاهرة وتحدّ منها، وكذلك المسلحين القادمين من الريف، وقلة التنسيق بين الكتيبة الأمنية وكتائب الجيش الحر. ويدعو الحمد إلى حملةٍ ثقافيةٍ تعزّز الوعي الأهلي بمخاطر هذه الظاهرة، باعتبارها ظاهرةً مشينةً تسيء إلى الثورة والمجتمع الحاضن لها.

 

أسلحةٌ في السوق

يبلغ الازدحام ذروته في أسواق الميادين خلال ساعات النهار، لأن هذه المدينة، المحرّرة منذ أشهرٍ كثيرة، أصبحت رئةً اقتصاديةً لمعظم السكان في محافظة دير الزور. ويمكن أن يُشاهَد هناك مزيجٌ غير منطقيٍ من هيئات الناس وأنماطهم في حيّزٍ واحد، وتحت شرط الحرارة التي ما تزال لاهبة. فقد يقف أمام الدكان طفلٌ أرسله أبوه للشراء، وامرأةٌ عجوزٌ نازحة، وشابٌ يرتدي بيجامة رياضية من النوع البلاستيكي وصندلاً صيفيــــــــاً مكشــــــوف الأصابع، ويرتدي أيضاً جعبة رصاص، ويعلّق على كتفه بندقية. والخلفية أصواتٌ رهيبة لمولدات الكهرباء التي يضعها أصحاب المحال التجارية على الرصيف. وفي الشارع، حيث يجري طوفانٌ بشريٌ صغير، لا بدّ أن يُشاهد في كل مقطعٍ عشوائي خمسة مسلحين على الأقل، بأعمارٍ وأزياءٍ مختلفة من مدينةٍ وريف. إنه الجو المثالي للتقاتل أو الشجار الدامي، ولأتفه الأسباب. فلا يمكن السيطرة، في جو الضيق هذا، على شياطين الغضب. وللأسف، قتل أبرياءٌ كثر لا شأن لهم بأسباب الشجار، وأصيب آخرون بعاهاتٍ دائمة. والمتهم غير محدّدٍ بالضبط، لكنه حتماً رصاصةٌ عرضيةٌ من بندقيةٍ غير متزنةٍ وغير مسؤولة. ويروي عبد الله، وهو بائعٌ متجوّلٌ، واحدةً من قصص الاشتباكات التي كان شاهداً عليها، فيقول: كنت جالساً في السوق على مقربةٍ من عربتي التي أبيع عليها بعض الخضار، فإذا ببعض الأشخاص يطلقون النار بشكلٍ عشوائيٍ في السوق. وإذ بأشخاصٍ آخرين يردّون على مصدر النيران. لم أحتمل ذلك المشهد، فرحت أركض أبحث عن مكانٍ آمنٍ أختبئ فيه. وبعد توقف إطلاق النار عدت إلى عربتي فوجدت بعض الأشخاص مصابين والدماء تسيل منهم، إلا أن الناس جاؤوا وأسعفوا الجرحى. وقد علمت بعدها بوجود شهداء. ويلقي عبد الله باللوم على الفصائل المسلحة في الميادين، لأنها هي من تتحمل مسؤولية أمن المدينة في ظل غياب قوةٍ رادعة.

 

من أين يأتي السلاح؟

قلــــــــــةٌ من يعلمـــــــون مفاصل حركة السلاح ويهتمون بها. وسفيان، الشاب العشريني، واحدٌ من هؤلاء. وهو يقول إن بعض الكتائب الصغيرة والمتسيّبة مصدرٌ مهمٌ للسلاح والذخيرة.
ويتهم عناصرها بالمتاجرة بما يقع تحت أيديهم من سلاح، بعلم أو من دون علم قادتهم. ويضيف مصدراً آخر هو المهربين الذين يتاجرون مع العراق، والذين يزوّدون السوق المحلية بأنواع معروفةٍ وغير معروفةٍ من السلاح، يتلقفها هواة الاستعراض للتخبتر بها في الأسواق. ويتندّر سفيان أنه يعرف ثلاثة من لصوص أسطوانات الغاز السابقين، وقد أصبح أحدهم موزّع ذخيرةٍ ناعمة (طلقات الرصاص)، والثاني قائد كتيبةٍ وهمية، بينما تطوّر الأخير إلى تجارة السلاح المسروق.