بعدسة الكاتبة - خاص

بعد انتشار أدوية ومواد غير صالحة للاستهلاك البشري في أسواق السوريين، صار الفساد الغذائي يشكل فصلاً جديداً من المعاناة يضاف إلى مآسيهم التي تبدو بدون نهاية، وتتراكم في الشمال الغربي من سوريا بفعل الحرب المتواصلة على المنطقة.

تكثر في المناطق المحررة عمليات التهريب والغش نتيجة الفلتان الأمني وغياب الرقابة التموينية عن الأسواق والمحال التجارية، أدى ذلك إلى انتشار الأغذية والأدوية الفاسدة حتى وصل إلى التلاعب بسلامة أغذية الأطفال، حيث يستغل بعض التجار الحياة القاسية التي يعيشها الكثيرون جراء الارتفاع الكبير في الأسعار -قياساً للدخول المتدنية جداً- لبيع بضائع فاسدة وتحقيق مكاسب مادية.

يقول أبو علاء من معرة النعمان لعين المدينة "أصيب ولدي البالغ من العمر تسع سنوات بمغص شديد وألم في المعدة، أسعفته إلى مستشفى المدينة، وبعد الفحوصات الطبية والتحاليل تبين للطبيب إصابة ولدي بحمى التيفوئيد نتيجة تناول طعام فاسد". كان الطفل قد تناول قبلها مرتديلا معلبة، يتابع والده "بعد التأكد من تاريخ العلبة تبين شطب التاريخ القديم ووضع لصاقة بتاريخ جديد" وحين واجه الرجل صاحب المتجر بذلك، أنكر معرفته بمسألة انتهاء الصلاحية.

"بسطات اللحوم المجمدة والأغذية المكشوفة باتت تنتشر في الأسواق دون رقيب، إذ تفتقر المناطق المحررة حتى اللحظة إلى أي جهة محلية من شأنها العمل على مراقبة تداول المواد الغذائية في الأسواق، والإشراف على تخزينها، وضبط المخالفات ومحاسبة المخالفين وسط الفوضى التي خلفتها الحرب على كافة الأصعدة" كما يشرح أحمد الذكرى رئيس المجلس المحلي في معرة النعمان، ويعزو سبب جانب من الإهمال إلى "افتقار المجالس المحلية لقوة تنفيذية تمكنها من ضبط الأسواق التي تحتاج لسلطة صارمة تكون قادرة على ردع المخالفات والحد منها".

يعتبر الذكرى سوء تخزين البضائع داخل المستودعات أحد أسباب فساد المواد الغذائية وتلفها، باعتبار معظم مستودعات التخزين والمعامل الغذائية تقوم بتصنيع منتجاتها في أماكن بعيدة عن الرقابة، وتفتقد لأدنى مقومات النظافة والشروط الصحية مستغلة الوضع الحالي، "متناسين أن تعرض بعض المنتجات للرطوبة وأشعة الشمس المباشرة يحولها إلى سامة" حسب ما يختم الذكرى.

يشاطره الرأي أبو عدنان (تاجر مواد غذائية بالجملة من مدينة إدلب)، ويشرح ذلك بقوله "تفتقر مستودعات التخزين لدينا للشروط الصحية بسبب غياب التبريد جراء انقطاع التيار الكهربائي بشكل كامل، وطول الطريق بين مناطق الإنتاج والاستهلاك، والظروف الأمنية المفروضة من قبل إدارة المعابر وعناصر الحواجز المنتشرة على الطرقات العامة، والتي تؤخر وصول المواد الغذائية".

غزت أسواق المناطق المحررة كذلك في السنوات الأخيرة أنواع كثيرة من الأدوية الفاسدة سواء منتهية الصلاحية أو رديئة المفعول، بغض النظر عن كونها تشكل خطراً على الصحة وتسبب مضاعفات خطيرة كإجهاض الحوامل أو حدوث اختلاجات أو ضيق تنفس.

ويحمل الصيدلي وائل التيزري من ريف إدلب مسؤولية انتشار الأدوية الفاسدة والمنتهية الصلاحية لإدارة المعابر الحدودية ثم للمتعدين على مهنة الصيدلة، وعن ذلك يقول: "يدخل الدواء إلى المناطق المحررة من تركيا أو مناطق سيطرة النظام السوري، وعدم ضبط الحدود في الفترات السابقة ساهم بإدخال كميات كبيرة من الأدوية منتهية الصلاحية إلى المناطق المحررة، حيث تباع هذه الأدوية بشكل خاص من قبل ممتهني الصيدلة الذين يعملون دون شهادات، إذ يكون هدفهم غالباً كسب الأرباح المادية قبل التفكير بصحة الأهالي".

يعاني الستيني أبو محمد من مرض السكري، مؤخراً لم يشعر بتحسن بعد تناول الدواء البديل الذي اشتراه حين لم يجد دواءه الأساسي، بل زاد وضعه سوءاً قبل أن يسعفه أولاده إلى الطبيب المتابع لحالته، يقول "عند فحص الدواء أكد بأنه دواء مغشوش ومنتهي الصلاحية منذ أكثر من عام".

أمام هذا الواقع انطلقت بعض المحاولات لضبط الأسواق في المناطق المحررة، ففي مدينة أعزاز شمال حلب قام المكتب التجاري التابع للمجلس المحلي بتأسيس "اللجنة التموينية" نيسان 2018، بهدف ضبط الأسواق وحماية المستهلك، وعن ذلك تحدث لعين المدينة رئيس اللجنة التموينية فاضل كنو بقوله: "كميات كبيرة من المواد الغذائية والأدوية المنتهية الصلاحية قمنا بمصادرتها وإتلافها أصولاً، منها حليب أطفال وبسكويت ومعلبات وعصائر وغيرها، كما قمنا بتوجيه إنذارات لأصحاب المحال التجارية، إضافة إلى أننا عملنا على توعية الأهالي بضرورة الانتباه لتاريخ صلاحية المواد عند شرائها".