- الرئيسية
- مقالات
- رادار المدينة
اللاجئون السوريون تحت وصاية الكفالة اللبنانية
مصطفى أبو شمس ومحمد كنعان
بلغ عدد اللاجئين السوريين في لبنان، بحسب المفوضية السامية لشؤون اللاجئين، 1.2 مليون مسجّل، وأكثر من ذلك من غير المسجّلين الذين لا تتوافر إحصاءات دقيقة عن أعدادهم.
باتت عملية العثور على كفيل لبناني مكلفة للغاية، سواء من الناحية المادية أو المعنوية. وعلى الرغم من إصدار المديرية العامة للأمن اللبناني، في 12/2/2017، قراراً بإعفاء اللاجئين السوريين من رسوم الإقامة وتجاوز مدة إقاماتهم المنتهية؛ إلا أن الشروط التي وضعتها المديرية للمستفيدين من هذه القرارات حرمت 85% من اللاجئين السوريين من الاستفادة منها، إذ اشترطت أن يكون السوري قد دخل الأراضي اللبنانية بصورة شرعية قبل 1/1/2015، وأن لا يكون من ممارسي أي عمل مأجور في لبنان، وأن يكون قد جدد إقامته سابقاً بموجب الأمم المتحدة في العام 2015 أو 2016، أو أن لديه مستنداً يثبت أنه سجّل لدى المفوضية قبل 1/1/2015، وأن لا يكون قد جدد سابقاً بموجب تعهد مسؤولية أو بموجب سند ملكية أو بموجب عقد إيجار.
تقسم هذه القرارات، التي حددت إجراءات الحصول على أوراق الإقامة بحسب القانون اللبناني عام 2015، اللاجئين السوريين إلى فئتين: المسجلون لدى مفوضية الأمم المتحدة للاجئين، وغير المسجلين لدى المفوضية وعليهم الحصول على إقامة شرعية.
ويشترط على اللاجئ السوري المسجل لدى المفوضية، لحصوله على الإقامة، أن يتعهد بعدم القيام بأي عمل مأجور في لبنان وإلا سيتعرض للملاحقة القانونية أو للتوقيف عن العمل، ما اضطر الكثير من اللاجئين إلى التوجه نحو نظام الكفالة على الرغم من الصعوبات الكثيرة للعثور على كفيل لبناني، سواء أكان رب العمل نفسه أم غيره. ويوافق اللبنانيون على كفالة السوري مقابل مبلغ قد يصل إلى 1500 دولار أميركي، بالإضافة إلى تحكم الكفلاء بموظفيهم وعمالهم مما يجعلهم عرضة للاستغلال في كثير من الأحيان.
ترى منظمة هيومن رايتس ووتش، في تقرير أصدرته في شباط الماضي، أن هذا القرار خطوة إيجابية، مع أنه يستثني مئات الآلاف من اللاجئين السوريين. وجاء هذا البيان خلافاً لما كانت المنظمة قد نشرته في تشرين الثاني 2015 في تقرير بعنوان «أريد فقط أن أُعامَل كإنسانة»، أكدت فيه أن هذه الإجراءات تخالف القانون الدولي بشكل صريح، لأن تكلفة الوثائق ورسومها الباهظة تمنع السوريين من تجديد إقاماتهم. وأوضحت المنظمة أن غالبية السوريين لم يتمكنوا من دفع رسوم التجديد السنوي البالغة 200 دولار، إذ قالت إن 70% منهم يعيشون تحت خط الفقر، بالإضافة إلى صعوبة العثور على كفيل لبناني، ما يجعلهم عرضة للاستغلال الوظيفي والجنسي من أصحاب العمل، دون القدرة على اللجوء إلى السلطات للحماية.
هبة محمد (23 سنة) إحدى اللاجئات السوريات في لبنان، كانت تعمل في محل لبيع الألبسة، وصفت نظام الكفالة بأنه «شكل من أشكال العبودية». رفضت هبة أن تخرج مع صاحب العمل لتقديم تنازلات جنسية فطردها من العمل. تقول هبة إن «بعض الكفلاء وأصحاب العمل يحاولون استغلال الفتيات ويتحرشون بهن»، وتعزو سبب ذلك إلى «شروط السلطات وقوانين الكفالة» التي جعلتهن أكثر عرضة للانتهاك والتهميش.
قصي شاب سوري دخل إلى لبنان بدافع الدراسة فهو طالب في الجامعة اللبنانية، ولكنه لم يستطع تأمين قسط الجامعة فاضطر إلى التوجه نحو العمل في ورشة حدادة، معزياً نفسه بعبارة يدمدمها على حد قوله: «بكرة برجع وبكمل بسوريا. هونيك أرخص من هون».
تعرض قصي لإصابة بالغة في ظهره أثناء العمل، ما استدعى خضوعه لعمل جراحي. يروي ما حدث معه بعد انتهاء العملية: «دخل ثلاثة عناصر من الدرك لأخذ إفادتي. طلبوا مني بطاقتي الشخصية وأوراق إقامتي فأعطيتهم إياها ظناً مني أنهم يريدون التأكد من دخولي إلى لبنان بطريقة شرعية، ثم سألوني عن سبب عدم تجديدي لإقامتي، وقالوا إنهم سيتكلمون في الأمر لاحقاً. وبعد خروجي من المشفى وذهابي إلى مكان عملي أخبرني صاحب العمل أن الدرك يسألون عني لأن أوراقي غير نظامية، وعرض علي أن يكفلني، ولكني رفضت وتركت العمل لأهرب إلى منطقة أخرى، فنقل الكفالة من شخص إلى آخر يفرض عليّ الدخول إلى الأراضي السورية مجدداً ثم العودة إلى لبنان، وأنا مطلوب للخدمة العسكرية ولا أريد العودة إلى سوريا».
أم قدور سيدة سورية من محافظة إدلب، ليس لديها بعد أن مات زوجها إلا ابنها الوحيد الذي يسكن في لبنان، ولكنه لم يستطع تأمين كفيل لها فاضطرت إلى الدخول تهريباً بطريقة غير شرعية، ومنذ ذلك الوقت وهي تعيش في غرفة ابنها ولا تستطيع الخروج منها خوفاً من تعرضها لأي دورية. تقول أم قدور: «في تسوية عبيقول ابني، بس الموضوع مكلف كتير. الرسوم 600 دولار، ولازم لاقي كفيل، وأقل واحد بدو 1000 دولار». تضحك قائلة: «أنا أصلاً مو مبسوطة هون، بدي تنحل الأمور لأرجع على سوريا من الصبح».
لم تدم فرحة تخلص أسامة السعيد من الخدمة العسكرية في سوريا لأكثر من شهر أمضاه في لبنان قبل أن يجبر على مغادرة الأراضي اللبنانية. يروي أخوه حسام أنه دفع 1500 دولار لتأمين كفيل لبناني لأخيه، لكن أسامة رُحّل إلى سوريا بعد أن أوقف الأمن العام كفيله الذي تبيّن أنه يقوم بأعمال غير قانونية، ومنذ ذلك الوقت ضاعت كل أخباره.
يتعرض السوريون من أصحاب الإقامات المنتهية، أو الذين دخلوا الأراضي اللبنانية بطريقة غير شرعية، إلى الاعتقال والضرب على حواجز التفتيش المنتشرة أو في المداهمات التي يقوم بها الأمن اللبناني على مساكن اللاجئين، بحسب كلام الكثير من السوريين الذين أضافوا إلى ذلك صعوبة الحصول على عمل وغلاء الأسعار وإيجارات المنازل والمعاملة العنصرية التي يتلقونها، إذ فرضت الكثير من البلديات منع التجول على السوريين في المناطق التي يعيشون فيها بعد السادسة مساء في الشتاء والسابعة مساء في فصل الصيف.
الأستاذ عبد الكريم، وهو محام لدى جمعية «كاريتاس» ومفوضية الأمم المتحدة في منطقة صيدا والجنوب، أجاب عند سؤالنا عن الفئات التي لم يشملها الإعفاء فأوضح أن القرار جاء بالتنسيق بين مفوضية الأمم المتحدة والحكومة اللبنانية، إذ وضعت الأخيرة الفئات التي يشملها الإعفاء، لأن «الحكومة اللبنانية لها سيادة على مواطنيها ورعاياها، ونحن لا نتدخل في قرارتها».
وعن سؤالنا عن نظام الكفالة والقضايا التي تحصل من استغلال وابتزاز وترحيل، مع تبيان الحالات السابقة، أجاب: «بالنسبة إلى دخول اللاجئ نحن لا ندقق في هذه الأمور، لأن الأمر يحصل بالتراضي بين الكفيل والمكفول، أما بالنسبة إلى الترحيل فإننا نسعى جاهدين لئلا تقوم السلطات بترحيل أي لاجئ سوري تحت أي ذريعة. لكن نعترف أن هناك مشكلة كبيرة هي غياب التنسيق بين الحكومة والمفوضية في كثير من الأمور».
وزير العمل اللبناني، سجعان قزي، كشف أن وزارته تعمل على برنامج شامل لعودة السوريين الموجودين في لبنان إلى بلادهم، خلال مؤتمر صحفي له في تشرين الثاني 2016، حين قال إن: «عنوان المرحلة المقبلة سيكون سوريا للسوريين، والسوريون إلى سوريا»، مطالباً الدول العربية المانحة بتأمين تكاليف عودتهم إلى بلادهم لأنهم «باتوا يشكلون خطراً على الهوية الوطنية اللبنانية والكيان اللبناني الذي أصبح معرّضاً للتغيير».
وعدّ جبران باسيل، وزير الخارجية اللبناني ورئيس التيار الوطني الحر، أن المخيمات السورية التي تجاوز عددها 1300 مخيماً باتت تشكل خطراً على لبنان. فيما اعتبر سعد الحريري، رئيس الوزراء اللبناني الذي كان في الأمس القريب من أبرز المدافعين عن القضية السورية، في كلمة له في بروكسل، أن اللاجئين سيتسببون في انهيار لبنان، واصفاً الوضع بـ«القنبلة الموقوتة».
يبقى الصوت الرسمي في لبنان مناشداً المجتمع الدولي بتحمل مسؤولياته تجاه اللاجئين السوريين، ويبقى صوت الشعب اللبناني منقسماً بين مؤيد ومعارض لهذا الوجود، متمثلاً في المظاهرات التي خرجت مطالبة بإخراج السوريين من لبنان ومنعهم من العمل، بينما كان جزء من اللبنانيين والكثير من المنظمات الحقوقية والإنسانية يقفون ضد هذه الدعوات ويتهمون أصحابها بالعنصرية، أما صوت اللاجئين فيبقى متمثلاً في آخر جملة قالتها أم قدور لنا عند مغادرتنا: «نحنا السوريين إلنا الله، إلنا الله».