الفقر والنزوح وإغلاق المدارس... أبرز أسباب الزواج المبكّر

في مخيم للنازحين بريف دير الزور الشرقي

بين أقلّ من 500 عائلةٍ نازحةٍ إلى بلدتي سعلو وبقرص في ريف دير الزور الشرقيّ، أحصت "عين المدينة" (36) حالة زواجٍ مبكّر، لم يتجاوز عمر أكبر الفتيات فيها (17) عاماً.

تتعدّد مبرّرات الأهل لإقدامهم على تزويج بناتهم قبل السنّ المعتادة، من تخفيف الأعباء المادية بالتخلص من "فمٍ نطعمه"، كما تذكر إحدى الأمهات وهي تتحدّث عن المصاعب الكبيرة التي تقاسيها كلّ يومٍ لتأمين طعام أطفالها، إلى غياب البديل في حياة الفتاة بعد أن تتوقف عن الذهاب إلى المدرسة، نتيجة انهيار العملية التعليمية، وخاصةً في حياة النازحين. "فأن تمكث الفتاة في بيت زوجها خيرٌ من المكوث مع عائلتها في خيمةٍ أو تجمّع نازحين"؛ هذه إحدى المقولات السائدة لدى الأمهات والآباء حول ظاهرة الزواج المبكر. وتتفاقم الحالة عند وفاة أحد الوالدين، فالحال الأفضل للفتاة اليتيمة هو أن تكون متزوجة. تقول أمٌّ نازحةٌ إنها -وبعد وفاة زوجها- اضطرّت إلى تزويج أكبر اثنتين من بناتها (16-14) سنة. ولم يكن أمامها خيارٌ آخر، وخاصةً مع وجود خمس فتياتٍ أخريات. لكن مخطط هذه الأم لم يكتمل، بسبب طلاق ابنتها الأصغر بعد أربعة أشهرٍ من الزواج. وتشير حادثة الطلاق هذه إلى ظاهرةٍ أخرى مترافقةٍ بظاهرة تزويج الفتيات المبكر، إذ تفشل الزوجة الطفلة في حالاتٍ كثيرةٍ في القيام بدور الزوجة المألوف، مما يؤدي إلى طلاقٍ سريع، وخاصةً في الحالات التي لا يستوعب فيها الزوج قلة نضوج زوجته صغيرة السن.

وللمهاجرين دورٌ أيضاً

هناك عاملٌ آخر في ظاهرة الزواج المبكر، هو تدخل عناصر تنظيم "الدولة الإسلامية" المسيطر على المنطقة في هذه المسألة، وخاصّةً المهاجرين منهم. إذ تحضّ الثقافة الخاصّة بهؤلاء على استسهال الزواج في أية أرضٍ ينزلون بها، وأيّ مجتمعٍ يقتربون منه أو يسيطرون عليه، دون أن يقيموا أيّ اعتبارٍ للخصوصيات المحلية لهذه المجتمعات. فالزواج حالة ارتباطٍ دائمٍ ومستقرٍّ لا تستقيم مع نموذج الحياة المضطرب والمتنقل وكثير المخاطر الذي يحياه الشبان المهاجرون. ويمنع الموقف العام للسكان المحليين، غير المرحّب بالمهاجرين، من الاستجابة لطلبات الخطوبة التي يبديها بعض هؤلاء. ولا توجد أدلةٌ تؤكّد الشائعات التي تدور عن حالات تزويجٍ بالإكراه منهم، رغم صحّة ما يقال عن عمليات احصاءٍ للفتيات تقوم بها بعض النسوة المتحمّسات للتنظيم أو المنتسبات إليه. وتروي سيدةٌ نازحةٌ –رفضت الكشف عن هويتها- عن زيارةٍ لبيتها، تشبه الاقتحام، قامت بها مجموعةٌ من النسوة المهاجرات تحمل بعضهنّ سلاحاً، بهدف البحث عن فتياتٍ عازبات، لتقييدهن على قوائم الزواج. وتروي السيدة ذاتها قصةً سمعتها عن إصرار تونسيٍّ على الزواج من فتاةٍ جميلةٍ لا تتجاوز 14 عاماً، وتمكّنه من ذلك بعد أن دفع مبلغ عشرة ملايين ليرةٍ مهراً لها، مستغلاً فقر عائلتها الشديد.