العمل الإعلاميّ الثوريّ... بين ميثاق الشرف والتجاوزات العديدة

لا يخفى على أحدٍ احتياج الثورة إلى الكوادر الإعلامية منذ بدايتها وحتى اليوم، بعد 3 سنين من انطلاقتها، بالرغم من تمكن أغلب الاختصاصيين من التخلص من القيود التي كانت مفروضةً عليهم من قبل النظام. إذ ما زالت القنوات والوسائل الإعلامية بحاجةٍ إلى الناشط الإعلاميّ مهما كانت خبرته ودرجة فهمه لواجبه ومعرفته بمبادئ العمل الإعلاميّ وشروطه، وكلّ ذلك لأنه على الأرض وبالقرب من الحدث وصنّاعه.

مهنةٌ مستباحةٌ أم ظرفٌ طارئ؟

ليس غريباً على مهنة الإعلام في سوريا دخول الكوادر غير المختصّة إليها، فقد جعل النظام هذه المهنة حكراً على أزلامه، فكان الوصول إلى منبرٍ إعلاميٍّ يحتاج إلى رضا أصحاب السلطة وربما بعض ضباط المخابرات. وعند قدوم الثورة تفاءل البعض بأن تكون الفرصة الذهبية لكسر قيود النظام والتخلص من عراقيله، ولكن تهرّب أغلب المختصّين عن ساحات الثورة ومن معارك التحرير - لأسبابٍ عديدة - دفع بالكثير من الشباب إلى حمل صفة الإعلاميّ مضطراً في بعض الأحيان، بحكم ضرورة تغطية الفراغ الذي خلّفه غياب وسائل الإعلام، ومنتهزاً فرصة الحاجة الماسّة لنقل الحقيقة في أحيانٍ أخرى. فركب موجة الإعلام الثوريّ بعض الأشخاص الذين حوّلوا مهمتهم من نقل الحقيقة إلى تنفيذ الأجندات وكسب الشهرة، ووجد البعض في هذا الإعلام فرصةً لتصفية حساباتٍ قديمة.
ويعيد مراقبون هذه الحالة التي أصابت مهنة الإعلام إلى عدّة أسبابٍ أهمها ترك الساحة الإعلاميّة من قبل المختصّين، وعدم فهم العديد من الناشطين لمفهوم الإعلام، واهتمامهم بنقل الخبر فقط وعدم اكتراثهم بمبادئ العمل الإعلاميّ، وحاجة وسائل الإعلام لناقلٍ للخبر بعد تغييب الإعلام عن الساحة منذ بداية الثورة، مما جعل هذه الوسائل تختار مراسليها ومصادر أخبارها دون اختبارهم أو معرفة ما يملكونه من تخصّصٍ وفهمٍ لمبادئ العمل الإعلاميّ.

 

وجهة نظر

يرى عبد القادر، وهو طالبٌ في كلية الإعلام، أن في كثرة الإعلاميين انعكاساً لتخلي الكثير من أصحاب الخبرات عن مهامهم وواجباتهم تجاه الثورة، إذ قال: "منذ كنا طلاباً في كلية الإعلام ونحن ندرك أننا نعمل في مهنةٍ مستباحةٍ في بلدٍ تستبيح فيه السلطة كل شيء. وأمِلنا في بداية الثورة أن يتغير هذا الواقع قليلاً، ولكن تذبذب العديد من الإعلاميين الخريجين وتخليهم عن دورهم الأساسيّ أعطى لمهمة الناشط الميدانيّ الموجود في أرض الحدث أهميةً أكبر بكثير من الإعلاميّ ملتزم الصمت".
فيما يرى أبو صهيب، وهو ناشطٌ ميدانيّ، أن الثورة خلقت مصطلحاتٍ وصفاتٍ إعلاميةً جديدةً، كإعلاميّ الكتيبــــــــة، والناشــط الإعلامـــــيّ، وتــسمية تنسيقيات على شبكةٍ إخباريــة.
ويعتقد أبو صهيب أن للجميع عمله، فالإعلاميّ يحتاج إلى الناشط الميدانيّ، ووسائل الإعلام تحتاج إلى التنسيقيات، والناشط يحتاج إلى وسائل الإعلام.

 

سلوكـياتٌ بعيــدةٌ عن الإعـلام والثورة

وتكثــر السـلوكيات المشينة والطفولية لبعض الناشطين الإعلاميين، متناسين ما تحمله هذه المهنة من نبل، ومتجاهلين مواثيق الشرف الإعلامية؛ فذاك يعتلي منبراً إعلامياً ليتهجّم على من يخالفه الرأي، وآخر يسوق وسيلةً إعلاميةً لحربٍ مع مجموعةٍ من الإعلاميين بسبب التشهير، ناهيك عن إثارة الفتن بين الثوّار والمؤسسات الثورية.
وربما تغتفر تلك السلوكيات أمام سوء التصرف بالخبر من قبل العديد من الناشطين، مثل كشف تحـــــرّكات الجيش الحرّ بسبب التسابق إلى النشر، والمبالغة والتهويل اللذين كثيراً ما ينعكسان سلباً على مجريات المعركة، إضافةً إلى الجعجعة الإعلامية والتسويق المحموم لأحداثٍ عاديةٍ قد يؤدّي عدم تمامها أو فشلها إلى انهيارٍ في معنويات الثوار.
ولا يخفى على أحدٍ التنافس بين الناشطين إلى تحقيق السبق الإعلاميّ، إلا أن هذا التنافس تحوّل لدى البعض إلى عداءٍ لا معنى له. وكثيرةٌ هي المشاكل والمشاجرات العلنية بين الناشطين على صفحات مواقع التواصل دون مبرّر.
وما يثـــير العجب أن غالبيــة الناشطين الإعلامــــيين الســــــوريين قد
خضعوا خلال الثورة لدورات تدريبٍ في دول الجوار، ولكنها لم تجعل بعضهم يصل إلى المستوى المحترف والملتزم بمبـــادئ العمل الإعـــلاميّ.