- الرئيسية
- مقالات
- رادار المدينة
السوريون يسلكون طريق الموت للوصول إلى جنان أوربا
كلّ شيءٍ يدفعنا إلى الهرب بعيداً؛ هذا لسان حال معظم المهجّرين عن بيوتهم طلباً للنجاة وأملاً بمكانٍ آمن. لكن المقام المؤقت، بعد المغادرة الأولى، لا يخلو من المعاناة أيضاً. مما دفع بالكثيرين إلى التفكير بالهجرة إلى أوربا والوصول إلى هناك بأية طريقةٍ كانت.
يروي اللاجئون السوريون إلى السويد قصصاً لا تخلو من المغامرات الخطرة للوصول إلى برّ الأمان. ويذكرون معاناتهم اليومية السابقة في ظلّ الظروف الرهيبة التي عاشوها في وطنهم قبل الفرار منه. ويذكرون كذلك المصاعب الهائلة التي اجتازوها وصولاً إلى أوربا. "كانت مجموعتنا تتكوّن من ستة أشخاصٍ. وصلنا، أنا واثنان آخران، فيما توفّي ثلاثةٌ على الطريق"؛ هكذا بدأ صالح (29 عاماً) سرد قصة عبوره الحدود التركية اليونانية بطريقةٍ غير شرعية، أملاً بالوصول إلى السويد والحصول على حقّ اللجوء فيها. صالح، الحاصل على شهادةٍ جامعيةٍ في هندسة نظم الحاسوب، واحدٌ من آلاف السوريين الذين خاضوا ويخوضون مساراتٍ مليئةً بالمغامرات والمخاطر في سبيل الوصول إلى دولة الأحلام (السويد)، التي أضحت قبلة السوريين الراغبين في اللجوء إلى أوروبا منذ اندلاع الثورة. ولا تتوافر أرقامٌ دقيقةٌ عن مجموع هؤلاء، خاصةً وأن نسبةً منهم تلقى حتفها أو تتوه في طرق ومخيمات الاحتجاز الكثيرة في بلدان العبور قبل أن تبلغ غايتها. اضطرّ الشاب المنحدر من مدينة درعا إلى مغادرة بلاده، هرباً من ملاحقة الأجهزة الأمنية، فتوجّه إلى الأردن أولاً ومنها إلى تركيا، قبل أن يسلك طريق المهاجرين غير الشرعيين برّاً أو بقاربٍ صغيرٍ عبر البحر.
غادر صالح باتجاه مدينة إسطنبول التركية، ومنها إلى إزمير، حيث فشلت أولى تجارب عبوره الحدود مع اليونان، إذ اكتشف خفر السواحل اليونانيّ القارب الذي كان يُقلّهم قبل مئات الأمتار فقط من الوصول إلى جزيرةٍ يونانية. وفي المحاولة الثانية، مع مهرّبٍ من مدينة حلب السورية، قضى صالح ومجموعته -التي تضمّ شاباً آخر وعائلةً من اللاذقية مكونةً من زوجين وطفليهما- أكثر من ساعتين لاجتياز بضعة كيلومتراتٍ في مياه بحر إيجه، بسبب عطلٍ أصاب قاربهم بُعيد الانطلاق ورفْض قائده العودة. يقول صالح إن العطل الذي أصاب القارب لم يكن المفاجأة غير السعيدة الوحيدة، فبدلاً من أن يتمّ إيصالهم إلى نقطةٍ قرب أحد الموانئ، بحسب الاتفاق المسبق مع المهرّب، وضع قبطان الرحلة اللاجئين الستة في منطقةٍ تبعد عدّة كيلومتراتٍ عن أقرب شارع. ويبيّن صالح أن "هذه الكيلومترات كانت جروداً صخريةً مرتفعةً وقاسيةً، فيها دربٌ ضيقةٌ لا يتجاوز عرضها نصف متر". بلا دليلٍ يقودها، تاهت المجموعة في الجرود الصخرية، ولم يُجدِها الاتصال بالنجدة اليونانية طلباً للمساعدة. بعد يومٍ كاملٍ بلا مياهٍ أو طعام، وإثر ليلةٍ بلا نومٍ بسبب البرد الشديد في العراء، استأنفت المجموعة مسيرها، لينفصل عنها ربّ الأسرة ويسلك طريقاً شاطئياً، إلى أن وصل أخيراً إلى مكانٍ مأهولٍ، ليأتي بالنجدة وينقل عائلته، قبل أن يواصل رحلته مرّةً أخرى انطلاقاً من اليونان.
يتقاضى المهرّبون مبالغ كبيرةً من المهاجرين غير الشرعيين، قد تصل إلى 12 ألف يورو للشخص الواحد، مقابل حيّزٍ ضيقٍ جداً على قاربٍ صغيرٍ يُحشر فيه أكثر من 100 شخص، في حين لا تتجاوز حمولته الطبيعية العشرين شخصاً، معرّضاً ركابه، وطاقمه نفسه، لخطر الغرق!
ومن جهتها، قامت الحكومة التركية مؤخراً بفرض حصارٍ خانقٍ على حدودها البحرية، للحدّ من ظاهرة الهجرة غير الشرعية انطلاقاً من أراضيها. إذ ألقت "الجندرما" التركية القبض على حوالي مائتي سوريٍّ عزموا على السفر إلى أوربا على متن سفينةٍ كانت ترسو على سواحل بلدة "أردملي" بالقرب من مدينة مرسين التركية، في ما يبدو أنه مباشرةٌ في تطبيق الاتفاق مع الاتحاد الأوربيّ بهذا الخصوص. وقالت وسائل إعلامٍ تركيةٌ إنه قد تمّ نقل اللاجئين المقبوض عليهم على متن السفينة إلى قاعةٍ رياضيةٍ في البلدة، قبل أن يسَلَّموا إلى شعبة الأجانب في ولاية مرسين.