الرقة تتداعى... والأهالي يصرخون دون مجيب

"حجراً بعد آخر تنهار الرقة، حزناً على حالها وعلى ما حلّ بأبنائها"؛ بهذه الكلمات يصف رامي حال مدينته، وما تعانيه من بؤسٍ وتدهورٍ في مختلف المجالات، التي ليس أقلها انهيار البنى التحتية الذي تعاني منه المدينة منذ عامين، وطال أغلب المرافق، عابراً من الكماليّ إلى الحيويّ، في المحافظة التي باتت الأشهر عالمياً والأكثر تداولاً في وسائل الإعلام .

أزمة مياه

كان فقدان المياه هو آخر ما يمكن أن يخطر في بال الأهالي، أو يحسبوا حسابه، معتمدين على قربهم من مياه النهر الذي طالما روى الرقة .
تقول ريم، وهي طالبةٌ جامعيةٌ وإحدى سكان حيّ "التوسعية"، لـ"عين المدينة": "أغلب الشقق باتت لا ترى المياه إلا ساعاتٍ قليلةً في آخر الليل". وليس شحّ المياه هو السبب الوحيد لهذا النقص، بل الأضرار التي لحقت بالشبكات الداخلية لاستجرار المياه، وتدمير بعضها نتيجة القصف، إضافةً إلى التلف الطبيعيّ الذي يحدث نتيجة التقادم .

صوتٌ بلا صدى

تمثل المعاناة من واقع شبكات الصرف الصحيّ في مدينة الرقة مصدر شكاوى دائمةٍ ومستمرّةٍ لمواطنيها، وخاصة للقاطنين منهم في المدينة القديمة ومناطق المخالفات التي تم تنظيمها، وكذلك في المناطق المنظمة أساساً.
وتتزايد طلبات التسليك الخاصّة بالشوارع الفرعية كل يوم. ولكن التسليك، أو أيّ عملٍ إسعافيٍّ، لم يعد ينفع، كما يقول عمال الورشات: "فالشبكة بحاجةٍ إلى صيانةٍ وترميمٍ بشكلٍ كليٍّ وواسع. وهو عملٌ ضخمٌ يعجز الجميع عنه في الوقت الحاضر".
يقول أبو محمد: "ليس لنا سوى الصبر والاحتساب. خوفان يحكمان الحياة في الرقة؛ خوفٌ على الحياة وخوفٌ من المستقبل. والخوفان ينموان في ظلّ صمتٍ مطبقٍ من الجميع"؛ كما يعبّر أبو محمد وهو يدفن وجهه بين يديه مخفياً تأثره: "لا يوجد من يسمع شكاوى المواطنين الذين باتوا مكمّمين خوفاً وعجزاً".
فيما تقول صباح، وقد بدت أكثر قدرةً على التحمّل والمواجهة: "لمَ الخوف؟ لقد وجّهنا كثيراً من الشكاوى لمكتب الخدمات الإسلامية، ولكن تمّ إهمالها. ونحن مضطرّون، في كلّ مرةٍ، لإصلاح الخلل على حسابنا".

معاناة العمال

في ظلّ غياب مجلسي المحافظة والمدينة ودائرة البلدية، بقيت أمور الأشغال العامة موكلةً إلى "مكتب الخدمات الإسلامية" الذي ورث عمل المجلسين والبلدية وآلياتهم كما ورث مبانيهم. في حين يشكك الكثير من الناشطين في قدرة التنظيم على تسيير شؤون المدينة، معللين ذلك بالعجز الإداريّ والتقنيّ والفنيّ الذي يعاني منه.
ويقول جاسم، وهو أحد أبناء حيّ "المعري"، وأحد العاملين سابقاً في البلدية: "إن كثيراً من العاملين القدامى ابتعدوا خوفاً من أن يقوم النظام بفصلهم"، أما من بقي فقد كان عليه أن يكون موالياً لداعش أو يتمّ استبعاده.
ويرى جاسم أن انهيار الشبكة مسألة وقت، وأن المدينة ستشهد مستنقعاتٍ من مياه الصرف. فهناك الآن كمياتٌ كبيرةٌ من التسريب الداخليّ في الشبكة، ستؤثر على أساسات الأبنية .
ويوضح أبو عبد الرحمن، وهو أحد العاملين في مكتب الخدمات الإسلامية، لـ"عين المدينة"، موقف مكتب الخدمات من ذلك بقوله: "هذه المعاناة قديمة. وسببها الشبكات التي يعود معظمها إلى فترة السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي. وقد انتهى عمرها الفنيّ، وبالتالي تتدنى نسبة الكفاءة في عملها". والمكتب الخدميّ لا يمتلك الخبرات والآليات اللازمة أو الاعتمادات الكافية لمثل هذه المشاريع، في ظلّ حربٍ شعواء تشنّ على "الدولة الإسلامية"، بحسب تعبير أبو عبد الرحمن.

ظلام المدينة

لا تزال الرقة تعيش في ظلّ فوضى الكهرباء دون أيّ سببٍ حقيقيٍّ أو مبرّرٍ يُقدّم للمواطنين الذين باتوا يتكهنون في أسباب هذه الانقطاعات، تاركين لخيالهم الحقّ في اختيار المبرّر الذي عجز القائمون على المدينة عن تقديمه .
وفيما يرى البعض أن الانقطاعات تحدث بسبب جرّ الكهرباء إلى مناطق بعيدةٍ توجد فيها مقرّات "الدولة"، يرى آخرون أنها بسبب التلف الذي يصيب الشبكة نتيجة القصف وحاجتها إلى الصيانة.
في المدينة التي تتعرّض لقصف طيران التحالف الغربيّ، يعيش المواطن الرقيّ مكافحاً في سبيل البقاء، وقد اتحد ضدّه الخوف والغلاء والظلام وقدوم الشتاء .