الدكتور نور مكتبي...
نجمٌ أفل مبكّراً من سماء حلب

سيرته الذاتية:

محمد نور مكتبي من مواليد 1965. حاصلٌ على البكالوريوس في الطب البشريّ من جامعة حلب (اختصاص داخلية وصدرية)، وعلى إجازةٍ في الشريعة من جامعة دمشق. متزوجٌ من د. ميسون سارة (اختصاصية أطفال)، ولديه خمسة أولاد.

عِلْمُهُ وعَمَلُهُ:

كان متفوّقاً في دراسته، متواضعاً متفانياً في عمله. دَرَس في كلية الشريعة، بعد ممارسته مهنة الطب، بهدف إنشاء جيلٍ مسلمٍ يُخْرِجُ المسلمين من التخلّف والوَهن الذي أصابهم، كما كان يقول لزوجته. كان يقضي معظم وقته خارج المنزل، بين التدريس الشرعيّ، متطوّعاً في الثانوية الشرعية للبنين وتدريس «التربية الإسلامية» في ثانوية المأمون، وبين عيادته قبْلةِ الفُقراء من المرضى، لما عُرف عنه من عدم تقاضيه (الكشفيّة) منهم، بل كان يصرف الأدوية لبعضهم على حسابه، ويرسلهم أحياناً إلى عيادة زوجته ويتصل بها قائلاً: «هؤلاء من معارفي»، ما يعني أنّ عليها معالجتهم مجاناً أو مراعاة وضعهم!

نشاطه الثّوريّ:

كانت البداية بتنسيق المظاهرات، ومن أشهرها مظاهرة باب الحديد التي كان أحد منظميها والمشاركين فيها. ويروي الشيخ عمار طاووز، وهو أحد المقرّبين منه: «كان من أشجع المتظاهرين والمُسعفين. كنّا نعجز عن إسعاف بعض مصابي المظاهرات فكان يحملهم بسيارته ويعالجهم في بيوتٍ خاصةٍ جُهّزت لهذا الغرض».

ويروي لنا محمد شبيب، أحد طلابه في الثانوية الشرعية: «التقيته مرّةً في منطقة الجميلية بالصدفة، وبعد السلام سألني: «عم تطلع مظاهرات؟». كان سؤاله مفاجئاً؛ إذ لا تربطني به علاقةٌ خاصة. أجبته مرتبكاً: «إن شاء الله»، فردّ عليّ: «إذا لم يقف طلاب العلم مع المظلومين فمن لهم؟».

قبل اعتقاله بأيّامٍ حضر اجتماعاً في منزل عبد القادر قصير (طالب علمٍ مصابٌ بالشلل، ذاع صيته بعد اعتقاله في مظاهرة باب الحديد) دعا فيه إلى تشكيل كيانٍ سياسيٍّ داخل المدينة، يوجّه العسكر في حال دخلوها.

تأسيس المستشفيات الميدانية:

تروي زوجته في حديثٍ خاصٍّ لمجلتنا: «كان يوم الجمعة مقدساً ومخصّصاً للعائلة، ومع انطلاق الثورة لم يعد كذلك. إلا أننا -بعد مدّةٍ- صرنا نخرج برحلاتٍ إلى الأرياف وإدلب وحمص. لم أكن على علمٍ بأهداف هذه الزيارات بدايةً، حتى اتضح لي أن ذهابنا معه كان للتمويه فقط!». فقد أسّس العديد من المشافي الميدانية في المدن والبلدات، وأسهم في نقل الأدوية من حلب -الهادئة آنذاك- إلى حمص وغيرها. وكان للجيش الحرّ نصيبٌ من زياراته الدّعويّة التوجيهيّة، خصوصاً في أرياف حلب وإدلب.

سلسلة اعتقالات:

كان أول اعتقالٍ له في شباط 2012، في مظاهرةٍ أمام جامع آمنة، من قبل الشبيحة. بقي معتقلاً 12 ساعةً فقط، خرج بعدها مصاباً بارتجاجٍ في عينيه (عمى الألوان) وكدماتٍ في الوجه. بعد شهرين اعتُقل مجدّداً من أمام منزله، ومكَثَ 15 يوماً في أمن الدولة، تعرّف خلالها على ثوارٍ جدد!

قبل أيامٍ من دخول الجيش الحرّ مدينة حلب تلقّى عدة تحذيرات، أحدها من زملائه في نقابة الأطباء، بأنه مطلوبٌ وأن خروجه من المدينة بات ضروريّاً وملحّاً؛ وهو ما كان يرفضه ويعتبره خذلاناً لحلب!

لم يعد ينام في منزله في هذه الأثناء، لكنه لم ينقطع عن عيادته في حيّ سيف الدولة. وبعد ضغوطٍ من زوجته وأصدقائه عزم على المغادرة باتّجاه ريف حلب الشماليّ المحرّر. وقبل ذلك توجّه لزيارة مفتي حلب، الشيخ محمود عكّام، الذي كانت تربطه به معرفةٌ قديمةٌ وعلاقةٌ جيدة، لاستشارته في الأمر. اتصل العكّام بالعميد أديب سلامة، رئيس فرع المخابرات الجوية بحلب، وتوسّط للمكتبي. وبناءً على ذلك طلب منه البقاء في المدينة، وطمأنه: «وضعك جيّد ولن يصيبك مكروه».

عاد إلى منزله لينام مع عائلته بعد غياب، ولم يكن يعلم أنها ليلة الوداع. ففي مساء اليوم التالي 18/6/2012 اقتحمت دوريةٌ العيادة واعتقلته، لتبدأ رحلة البحث عنه في الفروع الأمنية!

ظروف استشهاده:

بعد عشرة أيامٍ علمت عائلته بوجوده في فرع المخابرات الجويّة، ثم نُقل إلى المشفى العسكريّ بسبب تردّي وضعه الصحيّ وكسورٍ في قدميه نتيجة التعذيب. مضت 5 أشهرٍ تلقّت عائلته خلالها عشرات الوعود بفك أسره. وبتاريخ 14/11/2012 تلقت العائلة خبراً من أحد طلابه يقول إنه رأى جثّةً في المشفى الجامعيّ تحمل اسم «مكتبي». توجّه بعض أقاربه ومعارفه للتعرف إليها فلم يتمكّنوا بسبب التشوّهات، فضلاً عن نحولها الشديد.

ولكن حضور طبيب الأسنان، صديق الشهيد، كان الفيصل. نعم، الجثة له. عرفه من رباعية أسنانه الصناعية التي ركّبها له بيده.