- الرئيسية
- مقالات
- رادار المدينة
الحشيش المخدر وحبوب الكبتاغون... علناً في أعراس اللاذقية ومقاهيها
طوال ساعات في حفل زفاف أقيم الشهر الماضي في بلدة القنجرة بريف اللاذقية، تبادل نحو 50 شاباً سجائر الحشيش المخدر أمام الجميع. وحتى العريس وهو صف ضابط متطوع في المخابرات العامة، أخذ يدخن الحشيش من دون حرج أمام رئيسه في فرع اللاذقية، وضباط آخرين في المخابرات والشرطة.
بين الحضور كان للمساعد أول ثابت لايقه المنحدر من بلدة بكسا المجاورة للقنجرة، موقعاً مركزياً بوصفه أحد الوجهاء المعدودين والمتنفذين في المنطقة، إذ أصبح كذلك منذ انتقل إلى مكتب وزير الداخلية وتفرغ للعمل كسمسار رئيسي من سماسرة الوزير، ما مكّنه من بناء ثروة، وافتتاح عدة مشاريع استثمارية في اللاذقية.
لهذا الرجل حكاية خاصة مع المخدرات، فقبل ثلاثة سنوات قتل علي الابن المراهق لأحد إخوته، شقيقه الأصغر تحت تأثير الكبتاغون. وبتدخل من ثابت لم يسجن المراهق إلا ثلاثة أشهر، عاد بعدها إلى تعاطي الكبتاغون والتجول في الشوارع لمراقبة البيوت والمزارع والدكاكين بحثاً عن شيء يسرقه لتأمين المال اللازم لإشباع إدمانه. يقول فراس (اسم مستعار لشاب من بلدة بكسا)، أن المخدرات عطلًت لدى علي الإحساس الطبيعي بالذنب "لأنه كمّل بنفس الطريق، وصار شرس أكتر، وبأي مشكلة ممكن يقتل حدا جديد".
ومثلما لم تترك هذه الجريمة الصادمة أثراً في علاقة المراهق القاتل -الذي أصبح شاباً- بالمخدرات، لم تشكل الجريمة رادعاً نفسياً عن المخدرات كما يفترض لدى الشبان من أقاربه على الأقل، إذ انضم أبناء عمه ثابت إلى زمرة المدمنين المعروفين، وكذلك طارق علي بدور وهو ابن محام وسمسار شهير في قضايا المعتقلين. وبحسب تقييم فراس، يعد طارق أكبر مروج للمخدرات على مستوى بكسا، التي وصل عدد المدمنين المعروفين فيها إلى مئة وفق التقييم ذاته، وهذا رقم كبير مقارنة بعدد سكانها ال 10 آلاف.
في السنوات القليلة الماضية أصبحت المخدرات ظاهرة علنية ومستقرة في محافظة اللاذقية التي تعد واحدة من أكبر مراكز إنتاج وتصدير واستهلاك المخدرات. ومن غير قصد تقدم منشورات وزارة الداخلية في حكومة النظام بعض المؤشرات عن ضخامة هذه الظاهرة، ففي الشهرين الأخيرين من العام 2022 وفق تلك المنشورات، قبض فرع مكافحة المخدرات في اللاذقية على 44 شخصاً، ومن خلالهم صادر الفرع 13072 حبة مخدر، وكمية بوزن طن تقريباً من الحشيش. يقول زكريا (اسم مستعار لشرطي سابق من اللاذقية)، أن المروجين الصغار وغير المدعومين هم من يلقى القبض عليهم فقط عندما تريد "الدولة تعمل دعاية أنه عم تحارب المخدرات"، بينما التجار الكبار لا تقترب منهم، فهم "أقوى من دولة اللاذقية نفسا" وفق تعبيره.
ويتحدى الشرطي تلك "الدولة" أن تقترب من بعض المقاهي التي تحولت علبناً إلى مراكز بيع وتعاطي المخدرات بأصنافها المختلفة، مثل مقهى الأماسي التي تعود ملكيتها لسليمان ابن هلال الأسد الذي واصل حمايتها، "مع أنه ملاحق بعدما قتل واحد ورش على دورية أمن بالقرداحة"، أو حتى مقاهي يديرها أشخاص مغمورون ولكن مدعومين بقوة من شخصيات كبيرة مثل "كافيه ريتش اللي تستثمرها وحدة من دمسرخو من بيت شحرور ووحدة تانية من حرف المسيترة من بيت عجيب".
في واحدة من الندوات واللقاءات العامة التي تنظمها أطراف مختلفة عن خطورة الإدمان، فسر العميد باسم زيتون رئيس قسم المخدرات في اللاذقية انتشار المخدرات "بسبب قلة الوعي والدين وانتشار الجهل وغيرها من المشاكل المختلفة"، وأكد كما يفعل دوماً في كل ندوة شبيهة يشارك فيها، أن فرعه يحقق بمساعدة أجهزة أمنية أخرى نجاحات كبيرة في مكافحات المخدرات، لكن الوقائع تثبت عكس ذلك. حيث أصبحت قضايا المخدرات أكبر وأكثر من أن تنجح سلطات اللاذقية في مكافحتها حتى لو أرادت ذلك بالفعل، كما أن هذه القضايا أصبحت مجال تكسب ورشوة لزيتون نفسه و"معلمي زيتون واللي أكبر منه" كما يؤكد وهيب (اسم مستعار لحلاق لا يمانع أن يجلب الزبائن الحشيش لتدخينه أو تبادله فيما بينهم في صالونه)، لأن "الموضوع صار عادي جداً" كما يقول، بالرغم من أنه قد واجه بعض المتاعب بعد أن تسببت مشكلة عرضية خارج الصالون بالقبض عليه بتهمة الترويج، ما كبده خسائر بمليوني ليرة دفعها كرشوة لموظف صغير أعاد توزيعها بدوره على زملائه، ثم حول التهمة إلى التعاطي لتنتهي لدى القاضي بالبراءة.