التجنيد في صفوف داعش

الدورتان الشرعية والعسكرية تؤسّسان الأطفال والمراهقين من جديد

حتى الآن ما زال المنتسبون الجدد إلى تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) كافين لتعويض الخسائر البشرية التي يتكبّدها في حروبه المختلفة، وما زالوا أداةً رئيسيةً في الدفاع عن المناطق التي يحتلها وفي تمكينه داخلها.

خلال الأشهر الأولى لاحتلال داعش محافظة دير الزور بدأت تنشأ ظواهر انضمامٍ محليةٌ إلى صفوف التنظيم. ورغم تفاوت العدد بين بلدةٍ أو قريةٍ وأخرى، ظلت نسبة المنضمّين من التعداد العام للذكور البالغين صغيرة. تنوّعت دوافع الانضمام وقتها بين الرغبة في التمتع بالسلطة، والإفلات من العقاب على سرقاتٍ سابقة، والتخلص من الملاحقة بسبب انتماءٍ سابقٍ إلى الجيش الحرّ أو إلى جبهة النصرة. ولعب الوهم الذي ساد آنذاك بأن التنظيم قادرٌ على هزيمة قوّات الأسد بدير الزور دوراً في انضمام نسبةٍ من المقاتلين. لاحقاً، ومع زوال هذا الوهم وأوهامٍ أخرى حول داعش، صارت دوافع الانضمام منفعيةً، إلى حدٍّ كبير، لدى أعدادٍ متزايدةٍ من الشبان الأكبر سناً والرجال الذين خسروا مصادر رزقهم بسبب الظروف العامة للحرب والظروف الخاصة التي صنعها التنظيم قصداً أو بغير قصد. ليكون الانضمام إلى داعش والحصول منها على راتبٍ آخر كلّ شهرٍ سبيل العيش الوحيد المتاح تقريباً. يدرك التنظيم هذه الدوافع ولا يبالي بتلطيف نفعيتها، إذ يتركز اهتمامه الرئيسيّ على فئةٍ أخرى هي الأطفال والمراهقين، تشكّل عماد عملية التجنيد والهدف الأول لدعاية التنظيم التي تنجح في اجتذابهم، ليتمّ تشكليهم من جديدٍ أثناء دورتي الإعداد، ثم في بيئة التنظيم المشحونة دوماً بدعاويه التي تتحوّل إلى مبادئ راسخةٍ يُخلِص هؤلاء في اعتناقها حتى الموت في سبيلها. ويشكل تجدد هذه الفئة العمرية والسهولة النسبية لاستقطابها ضمانة تغذيةٍ مستمرّةٍ لعديد التنظيم وتعويضاً عن خسائره البشرية في جانبها الكميّ، بينما يعجز عن تعويض أفراده المتميزين الذين يسقطون على جبهات القتال أو نتيجة هجمات طائرات التحالف.

خلال الدورة العسكرية، وإلى جانب الدروس، يشاهد المتدرّبون أفلاماً لمعارك خاضها التنظيم ولحفلات إعدامٍ وقطع رؤوس، تلهب خيال المراهقين والأطفال فيقدم الأكثر حماساً منهم على التسجيل في قوائم الانتحاريين.

المعسكرات وطريقة الانتساب

يتلقى مكتب الموارد البشرية طلبات الانتساب وأوراق التزكية -من عضوين في التنظيم- اللازمة لكلّ متقدّم. وفي استمارةٍ من 8 صفحاتٍ يجيب المتقدّم عن عشرات الأسئلة التفصيلية التي تتناول السيرة الشخصية والمهنية له ولأقاربه من الدرجتين الأولى والثانية.

يُقبَل معظم المتقدمين، ويُحدَّد لكلٍّ منهم موعدٌ لمراجعة هذا المكتب قبل الالتحاق بالدورة الشرعية التي تمتدّ إلى شهرٍ في الأحوال العادية، وتجرى في مكانٍ مغلق، وتضمّ دروساً في القرآن الكريم والفقه إلى جانب دروس التوحيد التي يركّز عليها شرعيو التنظيم ليصلوا بالمنتسب، عبر مفاهيم الولاء والبراء، إلى الانقياد الكامل للأمراء والتسليم الأعمى بأحكام التنظيم على الآخرين. بعد انقضاء هذه الدورة يلتحق المجندون الجدد بالدورة العسكرية التي يخضعون خلالها لتدريبات بدنيةٍ قاسية، إلى جانب دروس استعمال السلاح الخفيف المفروضة على الجميع، فيما يتلقى البعض دروساً إضافية على السلاحين المتوسط والثقيل. تمتد الدورة العسكرية لشهر أيضاً في الأحوال العادية، أو تختصر -لأسبوعين فقط أحياناً- حسب الظروف الأمنية وحاجة التنظيم إلى مقاتلين. كما يتغيّر العدد من دورةٍ إلى أخرى حسب هذه الظروف التي دفعت التنظيم إلى تقليص عدد أفراد كلّ دورةٍ وزيادة عدد الدورات المقامة في الوقت ذاته وتغيير مواقعها باستمرار، في محاولةٍ لتقليص احتمالات الاستهداف من طائرات التحالف. فقد انخفض متوسّط عدد كلّ دورةٍ من أكثر من 500 متدرّبٍ قبل ستة أشهرٍ إلى 100 في الأسابيع الأخيرة.

بسبب الفقر والحاجة الماسّة إلى أيّ موردٍ، انضمّ إلى داعش خلال الأشهر الستة الأخيرة أكثر من 300 من أبناء بلدتي الخرَيطة والشميطية في الريف الغربيّ لدير الزور. وفي تموز الماضي ضمّت دورةٌ عسكريةٌ واحدةٌ في هذا الريف أكثر من 600 منتسب.

الفرز والاختصاص

في نهاية الدورة الشرعية يعدّ المنتسب مبايعاً كامل العضوية، ويصبح ديوان الجند هو الجهاز المسؤول عنه طالما بقي عاملاً في الجسم العسكريّ ولم يفرز إلى ديوانٍ آخر. ويُحَدّد الفرز في نهاية الدورة العسكرية بين الأجهزة المختلفة، وداخل "الولاية" أو خارجها، بناءً على أولوياتٍ يأتي مقدار الحاجة إلى مقاتلين جددٍ في مقدمتها. وتلعب الواسطة، التي تأخذ شكل طلب أحد أمراء الدواوين عنصراً بعينه، دوراً هاماً في فرز بعض العناصر الجدد إلى أجهزةٍ ذات عملٍ آمنٍ ومريحٍ أو إلى الجهاز الأمنيّ الأرفع شأناً. مع إمكانية أن يُطلب من الجميع (خلا الأمنيين) أن يقاتلوا على الجبهات فيّ أيّ وقت. ولا يبدو للخبرة والكفاءة المهنية السابقة دورٌ أساسيٌّ في الفرز، إذ يمكن أن تجد من أمضى سنواتٍ كثيرةً في التدريس يحمل بندقيةً إلى جانب فتىً صغير، ويمكن أن يُفرز عسكريٌّ منشقٌّ عن جيش النظام إلى جهازٍ مدنيٍّ.