البناء بالحجر البازلتيّ يعود من جديدٍ في القنيطرة

خاص عين المدينة

في ظل الارتفاع الكبير لأسعار مواد البناء الإسمنتية، وعدم توافرها في معظم الأحيان، يلاحظ اتجاه العديد من الأشخاص إلى بناء منازلهم بالاعتماد على الأحجار البازلتية الموجودة بكمياتٍ كبيرةٍ في بساتين محافظة القنيطرة.

أبو محمد نازحٌ إلى القنيطرة، وهو أحد العاملين في مجال البناء بالأحجار، إذ يمتلك ماكناتٍ خاصةً بقص وتزيين تلك الأحجار، يحدث «عين المدينة» قائلاً: «قبل انطلاق الثورة كنت أعمل بالماكنات الموجودة لديّ بقصّ أحجار الرخام والغرانيت التي كانت تعطي جماليةً كبيرةً لأيّ بناءٍ كان. ولكن في ظل هذه الأوضاع التي نمرّ بها، ومع عدم قدرة الناس على شراء تلك الأحجار، أو حتى بناء منازل، نظراً للغلاء الكبير في أسعار مواد البناء؛ اتجه معظم السكان إلى البناء بالأحجار البازلتية المتوافرة على أرض القنيطرة، فأصبحت الماكنات التي أملكها مخصّصةً لقصّ هذه الأحجار الصلبة وإعادة هيكلتها لتصبح ملائمةً للبناء».

وعن تكلفة البناء بالحجر البازلتي وأماكن توافر تلك الأحجار وطريقة جلبها يقول أبو محمد: «يكلف بناء المتر الواحد من البلوك والرمل والإسمنت ما يقارب 17 ألف ليرةٍ سورية (33 دولاراً أميركياً)، بينما يكلف المتر الواحد من البناء بالحجر البازلتي ما يقارب الـ7 آلاف ليرة (12 دولاراً). وبالإضافة إلى ذلك يبقى البناء بالحجر البازلتي أمتن وأقوى في ظل القذائف المدفعية والصاروخية التي تنهال على المنطقة، ويبقى أكثر ملائمةً لظروف المناخ الحارّ والبارد».

وتعدّ أرض القنيطرة غنيةً بشكلٍ كبيرٍ بتلك الأحجار التي تتوافر في البساتين والحقول. ويتمّ جمعها عن طريق ورشاتٍ مختصّةٍ تجمعها من الأراضي الزراعية، مما يسبّب تنظيفها وجعلها مناسبةً للزراعة أكثر. وتوجد هذه الأحجار بأحجامٍ متنوعةٍ صغيرةٍ وكبيرة. ويبلغ سعر الحمل الواحد منها 2000 ليرة (4 دولارات). وقد أوجدت ظاهرة البناء بالحجر فرص عملٍ جديدةٍ للعديد من الشباب العاطلين عن العمل، من خلال جمع الأحجار وبيعها.

وعن أنواع الحجر البازلتي والميزات التي يتمتع بها يحدثنا المهندس خالد: «للأحجار البازلتية عدة أشكالٍ وأنواع؛ فمنها الحجر المبوّز والحجر الأملس والحجر السادة والحجر بوشارده. ويكون لماكنات القص الدور الكبير في جعل تلك الأحجار مناسبةً لعملية البناء، وخاصةً بناء الواجهات. كما أن صلابة تلك الأحجار تساعد بشكلٍ كبيرٍ في مقاومة العوامل الجوية».

ويكمل المهندس خالد: «بدأ السكان في محافظة القنيطرة بالتفنن في أساليب البناء باستخدام تلك الأحجار، إذ عمل بعضهم على بناء واجهات منازلهم بشكلٍ دائريٍّ أو متدرج، كما عمل آخرون على بناء نافوراتٍ مائيةٍ أمام منازلهم، بالإضافة إلى عدة أشكالٍ مختلفة».

أما علي أبو حسين، أحد أبناء القنيطرة الذي أنجز منزلاً صغيراً له ولعائلته من الحجر البازلتيّ، فيؤكد لـ«عين المدينة»: «هجّرَنا إجرام الأسد من منطقة السبينة بريف دمشق، مما أجبرني على العودة إلى مسقط رأسي في القنيطرة حيث سكنت لمدّةٍ طويلةٍ مع أهلي، ولكن الحاجة أصبحت ماسّةً لبناء منزلٍ خاصٍّ بي وبعائلتي. وجدت البناء بالحجر البازلتيّ أوفر بكثيرٍ من البناء بالرمل والبلوك فجمعت -بالتعاون مع أصدقاءٍ لي- عدداً كبيراً من الأحجار اللازمة للبناء، وتم إنجاز سكني الجديد بتكلفةٍ أقل بكثيرٍ من تكلفة أيّ بناءٍ آخر».

الحجر البازلتي الصلب، الذي ارتبط عبر العصور بمحافظة القنيطرة، إذ لا يوجد مسجدٌ أو بيتٌ أو أيّ موقعٍ أثريٍّ فيها إلا وهو مبنيٌّ بهذا الحجر الناريّ البركانيّ الأسود؛ يعود اليوم من جديدٍ في ظلّ هذه الحرب وبشكلٍ واسع.