افتتاحية العدد 86

من يرفض الحل السياسي؟

ما يجري في وادي بردى يقدّم صورةً مكثفةً عن حال البلاد والأطراف الفاعلة فيها. فمن جهةٍ أولى هناك أصحاب الأرض، بالمعنيين الوطنيّ والمحليّ للكلمة، الذين يُراد إخراجهم من بيوتهم التي حرّروها بالدم، وهم من يطلب دخول مراقبين أممين لتوثيق خروقات الهدنة والمتسبّب في ضرب النبع الذي يسقي العاصمة. وعلى الطرف المقابل هناك الميليشيات الطائفية التي استشرست تأبى إلا الاحتلال الصريح، وربما التغيير الديمغرافيّ، على جثث المدنيين وعلى أنقاض المشافي والمراكز المدنية والخدمية التي كانت أول ما ناله القصف الممنهج. ومن جهةٍ ثالثةٍ تحضر روسيا بثوبها الجديد، «خصماً عاقلاً» إذا صحّ التعبير، فيتعرّض وفد جنرالاتها المفاوض للإعاقة، ويُعاد إلى دمشق مرّاتٍ على يد قوّات حليفها النظام وشركائه في الحقد الدمويّ الذي يريد أن لا يبقي ولا يذر. ولكن يبدو أن سعة الصدر الطارئة التي اتسم بها هذا الخصم في الشهرين الأخيرين ما زالت أضيق من الحجم المطلوب بكثير، إذ سرعان ما ارتدّ إلى مؤازرة حلفائه وتغطيتها سياسياً.

وفق هذا النموذج الراهن والحارّ، وعلى بعد أيامٍ من مؤتمر الأستانة، يجب أن نسأل: من يرفض الحلّ في سورية إذاً؟! وهل دعينا في السابق إلى طاولة تفاوضٍ جدّيةٍ ورفضنا حضورها؟

لا نخشى التفاوض لأننا أصحاب حقّ، ولأن أيّ حلٍّ سياسيٍّ -مهما كان من وراءه- لا يمكن أن يتضمّن بقاء من قتل نصف مليونٍ من السوريين، وما زال يعتقل ربع مليونٍ آخرين، وشرّد عدّة ملايين في الداخل والخارج وعبر البحار! ولأن أيّ حلٍّ سياسيٍّ لا بد أن يتضمّن محاسبة المسؤولين الكبار عن الجرائم، وحلّ الأجهزة الأمنية أو تقليص أعدادها وضبط صلاحياتها في إطار القانون، والانتخابات الحرّة، والرقابة الدولية على كل ذلك.

كلنا مثل أهل وادي بردى، لا نطلب سوى العدالة، وإلا فالثورة مستمرّة. وقد صلّبت هذه السنوات أعواد رجالٍ لن يعودوا إلى منازلهم دون أن يدفع ظالمهم الثمن سلماً أو حرباً. ما سوى ذلك عبثٌ لن يؤدّي إلا إلى المزيد من المآسي وإلى بقاء البلاد كلها، لا دير الزور فقط، #على_ضفتي_الموت.