كسر العظم في حلب
من غير الواضح إذا كان النظام جادّاً بالفعل في ما تسوّقه بعض صفحات أنصاره المتحمّسة على الفيسبوك عن نيته "تطهير" مدينة حلب، إذ لا يبدو أن قوّاته وقوّات أنصاره البرّية تملك القدرة على خوض معركةٍ كهذه، ولكن ما اتضح للعالم بأسره هو حقده الذي انصبّ من الطائرات وعبر المدفعية فأحال حياة المدينة جحيماً وأدّى إلى مجازر شاعت أخبارها وصورها المروّعة.
الأرجح أن ما حصل في حلب خلال الشهر الماضي مرتبطٌ بانسحاب وفد المعارضة من المفاوضات التي يأبى كركوزات وفد النظام الاستجابة لاستحقاقاتها الجدية بالطبع. ومن هنا قامت ذراع الأسد الإجرامية الكبرى بالثأر لذراعه السياسية المعاقة، بهدف كسر إرادة وفد المعارضة الذي حاز تأييد معظم الشارع المنتفض لانسحابه من مفاوضات التلاعب والمراوحة في المكان بينما المعتقلون مخنوقون، والمدن والبلدات محاصرة، ووحدها براميل الأسد طليقة، بغطاءٍ من روسيا، المرجع الأعلى للدول والجماعات المارقة في عالمنا اليوم.
وإذا كانت الحملة الإعلامية الناجحة قد أسهمت –ضمن عوامل أخرى بالطبع- في امتداد الهدنة لتشمل حلب، فتراجع الموت فيها إلى حدٍّ ملحوظ، فإن هذا غير كافٍ على المدى الأطول. لأن النظام وحلفاؤه مصرّون على ابتزاز المعارضة بالدم ما لم يسمعوا تلويحاتٍ قويةً من الدول الداعمة للمعارضة، فلا أخلاق ولا منطق يمنعانهم من الضغط حتى آخر برميلٍ وآخر جثة.
لقد قدّم كثيرٌ من سوريّي الثورة نماذج مدهشة في الصمود والاستمرار، في كلّ مكانٍ من البلاد ومنها حلب. والمطلوب ممارسة ضغوطٍ جديةٍ على روسيا لكبح جماح بربرية الأسد وتعطّش حليفه الإيرانيّ ومعسكره الطائفيّ للدماء، وإلا فإن الوحشية لن تتوقف عن توليد الوحشية المضادّة. وما تعرّضت له أحياء حلب الواقعة تحت سيطرة النظام من كثافةٍ غير مسبوقةٍ من القذائف العشوائية شاهدٌ على ذلك، وما حصل في الزارة أيضاً، وما يمكن أن يحصل في أيّ مكانٍ عانى طويلاً من مشاهد جثث الأطفال وذعر النساء وقهر الرجال.