إذا كان ما حدث داخل البلاد تحت حكم الأسدين مما «تقشعرّ له الأبدان وتشيب له الولدان»، وفق التعبير الشائع ولكن المطابق، الذي يستخدمه المؤلف د. محمد الداخل؛ فإن هذا الكتاب يرصد جرائم هذا الحكم خارج الحدود. وقد صدر لأول مرةٍ عام 1981. ونعرض هنا لطبعته الثالثة المزيدة، التي صدرت عام 2012، عن المؤسسة السورية للنشر والتوزيع.
ومن المعروف أن الساحة اللبنانية كانت أوسع الساحات التي لعبت فيها أذرع المخابرات السورية، قبل اغتيال كمال جنبلاط عام 1977، وبعد اغتيال رفيق الحريري عام 2005. فقد اغتال رجال رفعت الأسد الزعيم اللبناني الأول بعد مواقفه المناهضة لتدخل القوّات السورية في لبنان، وبعدما كشف أن هذا التدخّل لم يتمّ إلا بضوءٍ أخضر أمريكي، وبضماناتٍ قدّمت لإسرائيل، خاصةً وأنها تدخّلت أصلاً ضد قوى الثورة الفلسطينيّة والمتحالفين معها. واغتال رجال أمن بشار الأسد الزعيم الثاني نتيجة الإحساس بالخوف من أن يشكّل قطباً سنّياً قويّاً، ورغم أنه تعايش طويلاً مع النفوذ السوري في لبنان، إلا أن مجرّد الحوار الذي اشتمّ فيه بشار الأسد رائحة استقلاليّة، بالاعتراض على التمديد لإيميل لحّود، الرئيس اللبناني المكلّف من المخابرات السوريّة ومعسكرها في لبنان؛ كان كافياً لاغتيال الحريري، و«تكسير لبنان على راسه»، بحسب تعبير الأسد أثناء ذلك الحوار.
وبين جنبلاط والحريري، وقبلهما وبعدهما، اغتالت المخابرات السورية وأذرعها المحليّة عشرات السياسيين اللبنانيين، من بينهم أكثر من رئيسٍ منتخبٍ للجمهورية، ونوابٌ وقادة أحزاب. كما لم تتسامح مع الزعامات الدينيّة، فقتلت مفتي الجمهورية الشيخ حسن خالد، والشيخ العالم صبحي الصالح. أما من كان يفضح جرائمها من الصحفيين فلم يكن مصيره أفضل، بدءاً من سليم اللوزي، رئيس تحرير مجلة «الحوادث»، ورياض طه، نقيب الصحفيين اللبنانيين، اللذين قتلا عام 1980، وليس انتهاءً بسمير قصير وجبران تويني، اللذين اغتيلا عام 2005. وتبدو حادثة اختطاف اللوزي ثم قتله مفعمةً بالدلالة، إذ تمّ قصداً إحراق اليد التي كان يكتب بها، كما سيتمّ بعد سنواتٍ طويلةٍ تحطيم أصابع رسام الكاريكاتير علي فرزات، لأنه تطاول بها على «أسياده»!
أما خارج لبنان فقد كانت الجرائم المخابراتيّة الأسديّة أقذر، وإن كانت أقلّ عدداً، فقد اضطرّت هذه الأجهزة إلى استخدام البعثات الديبلوماسية السورية، وإلى الاستعانة بمنظمات إرهابيّة، لتنفيذ عملياتها، طالما لم يكن لها نفوذٌ وعملاءٌ مباشرون، كما هو الحال في لبنان.
ففي عام 1980 أيضاً، وهي إحدى المراحل التي بلغ فيها إرهاب النظام بعض ذراه، اغتيل في باريس أحد مؤسِّسَي حزب البعث الحاكم في دمشق! هو صلاح الدين البيطار، الذي كتب في مجلة «الإخاء العربي» التي كان يصدرها مقالةً بعنوان «عفوك شعب سورية العظيم»، أيّد فيها التحرّك ضد ديكتاتورية حافظ الأسد. وتمّ اغتياله بمشاركة العقيد نديم عمران، الملحق العسكريّ في السفارة السورية بباريس. وفي عام 1981 اغتيلت في مدينة آخن الألمانية بنان الطنطاوي، ابنة العالم الشهير الشيخ علي، بدلاً عن زوجها الأستاذ عصام العطار، القائد الإخواني البارز. وقد أسهمت السفارة السورية في بون بإدخال من اغتالوها بجوازات سفرٍ ديبلوماسية، وزوّدتهم بالسلاح.
وفي الأردن اغتالت أجهزت الأمن السورية، عام 1980، المعارض عبد الوهاب البكري، الذي كان قد حكم عام 1962 بسجن حافظ الأسد، والذي نشط وقتها في دعم الحراك السوري. وقد تمّ التحضير للعملية بمشاركة القنصل السوري صالح معلا، والسكرتير الثاني بالسفارة الرائد غيث الزبيبي، الذي قبض عليه بصحبة القاتلين المأجورين الذين نفّذا العملية، وسُلّم إلى سوريا بموجب الأعراف الديبلوماسيّة التي تمنحه الحصانة، كما تمنحها الآن لضابط المخابرات السابق الشهير بهجت سليمان، سفير النظام في عمّان.
وعثرت السلطات العراقية في مبنى السفارة السورية ببغداد على أسلحةٍ ومواد متفجّرةٍ وسموم. وأبطلت السلطات الكويتية مفعول متفجرةٍ كانت قد وضعت في مقرّ جمعية الإصلاح الاجتماعي، اعتقل على إثرها سوريون بينهم الديبلوماسي محمد الخطيب. كما اعتقل سوريون من المخابرات في دبيّ، بتهمة إلقاء متفجّرة على مطعمٍ يملكه معارضٌ حمويٌّ هناك. واتهم القنصل عادل شمّاط بالتخطيط للعملية. كما كشفت وسائل الإعلام التركية، عام 1981، عن ضبط السلطات لشحنةٍ من الأسلحة الخفيفة والثقيلة، المهرّبة من سوريا لصالح بعض المنظمات الإرهابية، التي تحتفظ بعلاقاتٍ مشبوهةٍ مع عبد العزيز حاج حمد، السكرتير الثاني للسفارة السورية بأنقرة وقتها.