- الرئيسية
- مقالات
- رادار المدينة
أمام داعش.. نكسة أخرى تكشف هشاشة «قسد» ومجلسها العسكري في دير الزور
بين يومي (26-27) من شهر تشرين الأول الماضي، شن تنظيم داعش هجمات متتالية انطلاقاً من جيب سيطرته المحاذي لنهر الفرات شرق دير الزور، على مواقع "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد) في محيط هذا الجيب، وتمكن من استعادة جميع الأراضي بين مدينة هجين وقرية الباغوز وصولاً إلى الحدود مع العراق، وهي الأراضي التي كان خسرها في معارك سابقة.
في هجماتها استغلت داعش العواصف الغبارية والأجواء الماطرة التي أوقفت طيران التحالف، ما ترك مجموعات "قسد" دون غطاء جوي كان العامل الحاسم دوماً في كل مواجهاتها ضد داعش. وبدون الطيران، ودون وحدة المدفعية الفرنسية التي توقفت هي الأخرى عن المشاركة في القتال وأخلي الموقع المتقدم الذي كانت تشغله جنوب حقل التنك، ودون وحدة دعم لوجستي أمريكية أخليت هي الأخرى بالمروحيات من موقعها قرب الحقل، انكشفت القدرات العسكرية الحقيقية ل(قسد)، وبدت سافرة نقاط الضعف التي تعاني منها.
تنقسم التشكيلات المؤلفة ل"قسد" على أساس عرقي، بين مكون كردي ينضوي تحت ما يعرف يعرف ب"وحدات حماية الشعب" (ypg) و"وحدات حماية المرأة" (ypj)- ومكون عربي ينضوي في حالة دير الزور تحت ما يسمى "مجلس دير الزور العسكري"، ولم تخفف الشعارات والأدبيات التي تتخذها "قسد" مستنسخة مما لدى حزب الاتحاد الديمقراطي (pyd) -عن أخوة الشعوب و"نضالهم المشترك"- من حدة هذا الانقسام، الذي تكرسه ضآلة المشاركة العربية باتخاذ القرار، والأدوار الهامشية لهم في الحلقة القيادية العليا ل"قسد".
لا يشعر غالبية المقاتلين العرب في صفوف "قسد" بالانتماء الفعلي إليها، حيث يعدّ التطوع في صفوفها مجرد عملية توظيف تجلب راتباً آخر كل شهر، في ظروف متردية يصعب الحصول فيها على فرصة عمل. وربما يجد الكرد -أو بعضهم على الأقل- في صفوف (ypg) أو (ypj) دوافع معنوية قد تشكل لديهم عقيدة قتال في حد ذاتها، لكن عرب "مجلس دير الزور العسكري" أو أغلبيتهم يفتقرون لأي دافع من هذا القبيل. وكشفت المواجهات الأخيرة مع داعش عن غياب الدوافع المعنوية لدى المقاتلين العرب، وكانت النتيجة عجزهم عن الصمود، وفرارهم جماعات أمام عدد محدود من عناصر تنظيم داعش، كما حدث في معركة بلدة السوسة. ومع انهيار دفاعات "قسد" وجد تنظيم داعش طريقه مفتوحاً ليصل إلى بلدة غرانيج، ويختطف (11) شخصاً من السكان، ما دفع الأهالي في هذه البلدة وجوارها إلى حمل السلاح تحسباً لهجوم آخر قد تشنه داعش.
في أقل التقديرات فقدت "قسد" (250) مقاتلاً بين قتيل وأسير خلال المعارك، كان معظمهم من الريف الجنوبي (العربي) لمحافظة الحسكة، ولم يبدُ -حسب مجريات المعارك- أنهم يتمتعون بخبرات قتالية كان من المفترض اكتسابها حصيلة تدريب وتجارب في معارك سابقة. وساهم في هذا التحول المفاجئ بسير العمليات العسكرية لصالح داعش، غياب قيادة فعلية ميدانية تنظم عملية الانسحاب إلى خطوط دفاعية خلفية تحدّ من اندفاعة داعش وتقلص من حجم الخسائر.
بعد المعركة، وتحضيراً لهجوم واسع تستعيد فيه ما خسرته أمام داعش، بدأت "قسد" باستقدام تعزيزات بمئات المقاتلين والمقاتلات من (ypg) و (ypj) من محافظة الحسكة، كانت حريصة على ألا تزجّ بهم في معارك قد تكبدها خسائر بشرية كبيرة، لكنها تبدو مضطرة لذلك أمام حالة التخبط التي يعاني منها "مجلس دير الزور العسكري"، ويعجز فيها عن استئناف القتال ضد التنظيم الذي تلقى دفعة معنوية كبيرة، بعيد تمدده المفاجئ؛ ليستعيد وخلال وقت قصير ما كان قد فقده منذ أعلنت "قسد" في 11 أيلول الماضي انطلاق المرحلة الأخيرة من عمليتها العسكرية للقضاء على داعش نهائياً شرق دير الزور.
من المؤكد أن "قسد" مدعومة بالتحالف الدولي، ستدحر داعش ثانية، لكنها لن تتمكن لوحدها من الدفاع عن الأرض التي تسيطر عليها، ولو لأيام معدودة من دون التحالف.