أعمالٌ ومهنٌ جديدةٌ للنازحات

نساءٌ كثيراتٌ يعانين من مصاعب وانعكاسات ما يجري على الأراضي السورية، لكن بعضهنّ يعانين مأساةً مزدوجةً تتلخّص في النزوح بالإضافة إلى فقدان المعيل، مما يدفعهنّ إلى العمل مرغمات.

 

أريد أدراجاً لا ينافسني عليها أحد!

اعتادت أم محمد على العمل في إحدى رياض الأطفال الخاصّة، لتعيل أسرتها المؤلّفة من أربعة أطفال، بعد استشهاد زوجها في بداية الثورة. ولكنها أجبرت على حمل صغارها والمغادرة إلى مدينة الميادين، تاركةً، في دير الزور، العمل الذي كان يعيلهم في روضةٍ ربما لم تعد موجودةً أساساً. لم تجد أم محمد في الميادين عملاً يمكن أن تقوم به سوى تنظيف أدراج البنايات، وهي مهمةٌ ـ في الغالب ـ لم تكن توكل في الميادين إلى النساء. تتحدث أم محمد عن مهنتها وظروف حياتها عموماً، فتقول: "مهنٌ كثيرةٌ بسيطةٌ اضطرت بعض النساء، بسبب أوضاعهنّ الاقتصادية، إلى العمل فيها قبل الثورة، ولكن هذه المهن اتسعت، وزاد عدد النساء اللواتي التحقن بها بسبب الظروف الاقتصادية الصعبة وغياب المعيل في كثير من الحالات، إما بالوفاة أو الاعتقال. فكثرت، بشكلٍ واضحٍ جداً، ظاهرة الخدمة في المنازل، بالإضافة إلى نسج الليف وبيع الدخان والأقمشة والمتاجرة ببعض البضائع، ولكن على نطاقٍ ضيقٍ جداً. وكما يقال شرّ البلية ما يضحك، فحتى هذه المهنة، وهي تنظيف الأدراج، احتجت وقتاً طويلاً لإقناع الناس بقدرتي على القيام بها، ووجدت صعوبةً كبيرةً في الحصول على أدراجٍ لا ينافسني عليها أحد، وخاصةً في المباني التي تتألف من مكاتب وعيادات. وما زلت أعاني من أن مردودها ضئيلٌ وغير ثابتٍ ولا يؤمّن شيئاً يذكر من احتياجات أبنائي، ولكنه يبقى أفضل من انتظار محسنٍ قد يطرق بابي".

 

مهنة بيع الدخان ملاذٌ لكثيرٍ من النساء

ومن المهن التي اضطرّت نساءٌ نازحاتٌ إلى مزاولتها مهنة بيع الدخان، والذي غالباً ما تعرض البائعة بالقرب منه ما تمكّنت من اقتطاعه من المعونات، لبيعه أيضاً أو استبداله بمواد أخرى. أم نديم سيدة تبيع الدخان والأقمشة بالقرب من "السوق المقبي"، تقول: "زوجي مفقودٌ منذ قرابة عامٍ كامل. الكل يشيع أنه استشهد في مجزرة القصور منذ عام. وأبيع الدخان بانتظار أن يعود ليتقاسم معي هذه التركة الثقيلة. إعالة ثلاثة أطفال، بينهم طفلٌ معاقٌ، أمرٌ ليس سهلاً في هذه الأيام. ومشكلة بيع الدخان هي المنافسة وكثرة عدد "البسطات" في كل زاوية. أما متوسط الربح فهو قرابة 500 ليرة، وهو جيدٌ مقارنة بغيره من المهن التي تتجه إليها النساء".

 

"الليفة التقليدية" تعود مجدداً بسبب النزوح

ومن بين المهن البسيطة التي تمارسها النساء استوقفتنا مهنة صناعة "الليف"، والتي تنسجها وتبيعها الحاجة نورة أمام أحد مراكز النزوح حيث تقيم، وحدثتنا عنها بالقول: "في السنوات الأخيرة بدأت مهنة نسج ليف الاستحمام تتراجع كثيراً لحساب أنواعٍ صناعيّةٍ بديلة، ولكن مع توافد أعدادٍ كبيرةٍ من النازحين، ظهرت الحاجة الماسّة إلى الليف التقليدية، خاصّة وأن الليف الصناعي مستوردٌ، وبالتالي ينطبق عليه ما ينطبق على الموادّ التي تجلب من خارج الميادين من الندرة وغلاء الأسعار، مما جعل العودة إلى نسج الليف أمراً يمكن أن يؤمّن للمرأة التي تجيده دخلاً معقولاً. ولهذا تجد كثيراً من النساء النازحات يعملن فيه، يشجعهنّ على ذلك توافر موادّه الخام وسهولة تعلمه، فخلال يومٍ أو يومين يمكن للمرأة أن تتعلم نسجه، وهذا ما قد لا يتوفّر في مهنٍ أخرى كالخياطة أو نسج الصوف، وبالتالي تدخل ميدان الإنتاج بسرعةٍ قياسية، ودون أن تحتاج إلى مالٍ كثيرٍ للبداية. أما عن هامش الربح فهو لا يتجاوز في حده الأقصى 300 ليرة عن بيع عدّة قطع، وهو مبلغٌ قليلٌ جداً، ولكن في الوقت نفسه لا توجد خسائر أو كساد للبضاعة".