أزياء أفغانستان في الميادين

في أراضي داعش، مجسّماتٌ بلا رؤوسٍ تعرض الزيّ الأفغانيّ لكلّ الأعمار

في أسواق مدينة الميادين اليوم؛ يتجوّل شبّانٌ ومراهقون بلباسهم الأفغانيّ وشعورهم الطويلة، في استعراضٍ حيٍّ لآخر صيحات الموضة الدارجة في ظلّ داعش، بينما تمشي النسوة مكسياتٍ بعباءاتهنّ السوداء.

الموضة الموسمية

درج ارتداء البدلات المموّهة و"اليشامر"، أو أغطية الرأس الملوّنة، كجزءٍ من التأثر بهيئة مقاتلي الجيش الحرّ الذين لم يكن يجمعهم لباسٌ موحّدٌ بعينه. ثم، ومع ظهور جبهة النصرة، استهوى ارتداء الزيّ الأسود قلةً من الشبان، دون أن يتحوّل الأمر إلى ظاهرةٍ كما حصل في مرحلة الجيش الحرّ. يقول أحمد (20 عاماً): في السابق، كنت أرتدي بنطال جينزٍ ضيقاً ذا خصرٍ واطئٍ وكنزات Body، وأضع الجِل على رأسي و"أعمل سبايكي"، إلى حين ظهر الجيش الحرّ فبدأتُ ورفاقي بارتداء "اليشمر" أو "الشماخ" والبدلة العسكرية المموّهة وحمل السلاح أثناء التسوّق أو التجوال. وبمجيء جبهة النصرة أصبحنا نرتدي أقنعةً وعصبات رأسٍ سوداء كتب عليها باللون الأبيض لا إله إلا الله. وبعد سيطرة "الدولة" على المدينة ظهر الزيّ الأفغاني بألوانه الثلاثة، الرماديّ والبنيّ والأسود، فقمت بارتدائه. لكن التنظيم قام بمصادرة الأسلحة ومعاقبة كلّ من يقتنيها، حتى أضحى السلاح حكراً عليهم وعلى نسائهم. وعند سؤاله عن سبب ارتدائه الملابس الأفغانية، أجاب أحمد ضاحكاً: من باب التباهي والتفاخر ربما! وبذلك، لا يعكس ارتداء هذا الزيّ قناعةً بأفكار التنظيم بالضرورة، بقدر ما يمثل إحدى تقليعات الموضة الرائجة التي تستقطب الباحثين عن التميّز الشكليّ، وصرعةً من صرعات التشبّه بالسلطة.

المرأة واللباس الشرعيّ

في حين يرتدي بعض الشبّان اللباس الأفغانيّ بشكلٍ طوعيٍّ؛ يكاد فرض "اللباس الشرعيّ" على النساء أن يكون أبرز المظاهر التي يحرص تنظيم الدولة على تطبيقها بصرامة. تقول الممرّضة أم ليث (30 عاماً): كنا –محجباتٍ وغير محجبات- نرتدي أحدث الأزياء الرائجة، ونواكب الموضة، حتى فرضت جبهة النصرة علينا الحجاب والعباءة. وبعد سيطرة تنظيم الدولة فُرض ارتداء اللباس الشرعيّ، وهو عباءةٌ سوداء عريضةٌ خاليةٌ من التطريز أو الألوان، ودرعٌ يوضَع على الرأس يغطّي الأكتاف والصدر واليدين، وهو أقصر بقليلٍ من العباءة، ونقابٌ يغطّي العينين، وكفوفٌ وجوارب سوداء. وفي حال صادفت دورية الحسبة امرأةً مخالفةً في السوق فقد تضربها بالسوط أو بما يسمّى "العضّاضة"، وهي عصاً مشحونةٌ بالكهرباء في رأسها فكّان أشبه بأسنان الإنسان. بالإضافة إلى دفع غرامةٍ تتراوح بين 3000 إلى 5000 ليرةٍ، ومصادرة لباس المرأة القديم وحرقه، ثم إلزامها بشراء اللباس الشرعيّ الكامل منهم. علماً أنّ هذا اللباس لا يتناسب وطبيعة عملي كممرّضة: "شلون أعلّق سيروم لمريض، أو أعاون الأطباء في غرفة العمليات الجراحية، وأنا لابسة عباية ودرع ونقاب؟ مو معقولة!". وتقول منى، وهي طالبة هندسة بتروكيمياء: "الوضع ما عاد ينطاق. من أسّع قام أفكر شلون أريد ألبس عباية ودرع ونقاب وكفوف وجرابات ثخينة بعزّ الصيف! هاللباس خنق المجتمع خنق".

عصر الخياطين الذهبيّ

يقول الخياط أبو أمجد: قبل الثورة، وفي بدايتها، كنت أشكو قلة العمل. أما الآن فقد اضطررت إلى توسيع محلّي، وتحويله إلى مشغلٍ، وزيادة عدد العاملين فيه، نتيجة كثرة الطلب. رغم أن عملي اقتصر على خياطة العبي والدروع واللباس الأفغانيّ فقط، بأسعارٍ متراوحةٍ بين 1000 و1500 ليرة، تبعاً لنوعية القماش المختار من قبل الزبائن. كما بدأتُ بخياطة وبيع العبي والدروع، بسعر الجملة، لبعض المحالّ التجارية، فضلاً عن مركز الحسبة، الذي يقوم بإلزام النساء المخالفات بشراء اللباس. وتجدر الإشارة إلى أنّ الحصول على اللباس الأفغانيّ صار يتطلب انتظار الزبون لمدّةٍ قد تصل إلى أسبوعين.
يبدي الكثير من سكان المدينة ازدراءهم واستنكارهم لهذه الظاهرة التي يصفها أحدهم بأنها تجذب صغار السنّ والجهلة فقط. بينما يقول وائل، أستاذ اللغة العربية: "أعتقد أنّ الكثيرين منّا يعشقون التقليد السلبيّ الأعمى. فالعديد من شباب مدينتي يرتدون تلك الأزياء
من باب التقليد والتشبّه. إنه لأمرٌ يثير حيرتي. فقد أصبحت أرى أشكالاً وموديلاتٍ غريبةً لم أرها في حياتي".