رقية البشير
سؤالٌ يردده المناضلون في مصانع التعذيب. وكيف نذكرهم؟ أيكفي أن نقول: لهم الله! نعم، هذا ما تردده ألسنتنا وتعتصر عليه قلوب أمهاتهم. كثيراً ما يغيب عن ذاكرتنا ما يؤول إليه حالهم؟ أين هم؟ كم عددهم؟ ماذا يأكلون؟ كيف ينامون؟ كم بقي منهم؟ كيف يدفن من استشهد منهم؟ والسؤال الأهم، متى ستنتهي مأساتهم؟ فإذا نظرنا من ثغرة صغيرة على أحد السجون سنرى شباب سوريا يطلبون الموت حباً بالنجاة من حقد عصابة حاكمة، إذ يدخل عليهم جلادوهم كأنهم وحوشٌ خلقت لتفترسهم، يلفقون لهم تهماً عجيبة منها التآمر على البلاد أو الالتحاق بالقاعدة في أفغانستان، وتهماً أخرى لا يمكن أن تذكر. وعند أول تهمة توجّه للمناضل تبدأ المعركة بين الأحياء والميت. يقفون وتحت أقدامهم يلفظ المناضل الرافض أنفاسه.
يذكر السيد (س)، الذي كان معتقلاً، أنه عندما تبدأ جولة التعذيب تتوالى عليه ضربات السنديان وهي تدك جسده المرهق، ومن دون انقطاعٍ يناوب وحش آخر يحمل أداة موت تسمى بالكبل الرباعي، اذ يريد السجان إن تختلط عظام المعتقل مع لحمه. وما أن ينهك ذلك الجلاد حتى يناوب آخر بأداة أخرى على جسد ذلك الشاب أو الطفل.
والأرجح أنه لم يكن لهواة الطغيان هدفٌ من التعذيب، وإن كانوا يريدون أن يعترف المعتقل بشيء يرضي غرورهم. والأصعب إن لم يعترف، فسيؤخذ في جولات أسطورية من التعذيب. إن هذا الأسلوب الوحشي في التعامل، كما ينقل لنا من الذين أفرج عنهم، ناجمٌ عن حبٍ لممارسة هذا النوع من الإجرام، فهم متعطشون للدماء ولمزيد من زهق الأرواح، ولرؤيتنا في أضعف أحوالنا.
يقول أحد المعتقلين المفرج عنهم إنه كان يُساق إلى منصة جهنم، حيث يترك عدة أيام مشبوحاً من دون أكل أو شرب. ومن جولة الشبح والصلب يؤخذ إلى زنزانة منفردة. وهناك تبدأ دورة أخرى وأسلوب منظم للتعذيب، من الصعق بالكهرباء إلى الدولاب. ومن يرحمه الله يذهب إلى الموت.
وإذا سألنا عن حال المعتقلين، كيف ينامون؟ فالجواب أقسى من السؤال. هناك يتزاحمون فوق بعضهم البعض. منهم من ينام من شدة الألم. وآخرون يصارعون الحياة بين مطرقة الجلاد وسنديانة الزمن. وربما يُحسب الشخص منهم أنه نائم عندما يغمى عليه من شدة الألم. فهم لا يعرفون متى يغفو الليل ومتى تفيق الشمس. حالهم كالأموات ينتظرون مراسم الدفن. أما ما يقدّم إليهم من طعام فهو لا يذكر، وهو لأجل استمرار معاناتهم فقط.