«نحنا الجزر»

منذ أن اعتمد النشيد الوطني السوري «حماة الديار»، سنة 1938، لم يتغير إلا في مناسبتين؛ الأولى أيام الوحدة مع مصر حين استبدل به «نشيد الحرية»، والثانية عندما سحبت أغنية «نحنا الجزر» البساط من تحته خلال الثورة في حي الصاخور بمدينة حلب!

 رُفض لحن حماة الديار في البداية، ولكن سرعة انتشاره جعلت القائمين على الحكومة مضطرين إلى اعتماده كنشيد وطني للجمهورية السورية. ومنذ ذلك الوقت ارتبط بالاحتفالات الرسمية، خاصة خلال تحية العلم في المدارس كلازمة تقال يومي السبت والخميس من كل أسبوع. فكان «كالأمر الواقع»، كما يقول المهندس أحمد العلي الذي عبّر عن فقدان النشيد حالة القشعريرة التي كان يشعر بها في صغره عند سماع لحنه، بعد أن تحول منذ بداية الثورة إلى «لوغو» لجيش يقتل الأطفال والنساء، وبات سماعه مرتبطاً «بحالة من القهر لا الفخر».

وبسبب الفتاوى الكثيرة بتحريم الغناء شقت الأناشيد الجهادية طريقها لتجد لها مكاناً في إصدارات الحركات الإسلامية، وأصبحت جزءاً من مشروعها، وطريقة لنشر أفكارها وتجنيد مقاتلين جدد في صفوفها نظراً لانتشارها السريع. فغدت تلك الأناشيد، منذ ثمانينيات القرن الماضي، إحدى طرق الدعوة الجهادية المؤثرة.

بعيداً عن النشيد الوطني والأغاني الجهادية عرفت أغنية «نحنا الجزر» انتشاراً خاصاً بين السوريين، موالين ومعارضين، وباتت حديث صفحاتهم على فيسبوك، وتعدى الأمر إلى دندنتها وتحميلها والتغني بها.

على محمل الجدّ كان رجال كتيبة أحفاد المرسلين، التابعة لحسن جزرة كجزء من كتائب غرباء الشام، يبدؤون سهراتهم وأعراسهم، وحتى قتالهم على الجبهات وهم على شفير الموت، بأغنية «نحنا الجزر» التي باتت سمة لقائدهم الذي حولوه إلى أسطورة. وعلى الرغم من السمعة السيئة التي لاحقت الرجل إلا أنك، وعن غير قصد، تطلق العنان لأغنيته مبتسماً حين تراه أو تذكره. يقول الناشط حسين محمد: «على جبهته في حي الصاخور استقبلنا حسن جزرة يومها تاركاً لرفاقه مهمة الغناء والدبكة على نشيد كتيبته الخاص. الجميع كانوا سعداء. كان الرصاص من جبهة سليمان الحلبي كالمطر، لكن هذا لم يمنع المقاتلين من الترحيب بنا على طريقتهم الخاصة. بدت القصة أشبه بالنشيد الوطني. وعند وصولهم إلى مقطع «جزرات نحنا يا حسن ورجالك/ فداك هي الروح لو تحلالك» حمل كل منهم سلاحه وتوجه إلى موقعه وسط ضحكاتنا».

نحنا الجزر حسن جزرة ربانا                لا ما يشيل الراس من عادانا

جزرات نحنا والموت أبد ما نهابه               لونّك تجيب المدفع ودبابه

نمشي دروب الموت متل ديابه           نحصر عدونا ونحطهم بمطارا

جزرات نحنا يا حسن ورجالك                 فداك هي الروح لو تحلالك

نمشي دروب الخطر كرمالك           ننحر عدونا بسيوفنا البتارة

السخرية التي طالت هذه الأغنية التي ألفها أحد أتباع جزرة، من قبل الموالين والكثير من أبناء الثورة، جعلتها عالقة في الذهن كذكرى طريفة في كثير من الأحيان، و«حنين لأيام الثورة الجميلة» كما يقول سعيد، أحد المقاتلين السابقين في غرباء الشام، ليتحول جزرة إلى أسطورة شعبية من خلال «فطرته ونخوته»، رغم الاعتراضات الكثيرة التي لاحقته وأفراد كتيبته طيلة فترة حمله السلاح على إحدى أهم جبهات مدينة حلب (سليمان الحلبي والصاخور) على أنه أكبر «المشوّلين»، الأمر الذي أدى إلى اعتقاله وقتله من قبل تنظيم الدولة.

سهلت المفردات العامية التي تألفت منها هذه الأغنية انتشارها وحفظها، وترافق ذلك مع الشعور بالفخر والانتماء عند أبناء هذه الطبقة المهمّشة التي لم تكن تلقي بالاً للكلمات الرنانة وتعتمد في موسيقاها على الموالات التي كانت لا تخلو من ذكر أبو جراح (حسن جزرة)، لتنطلق بعدها مئات العيارات النارية كتحية من الجنود لقائدهم، ثم تبدأ وصلة خاصة لأغنية «نحنا الجزر» التي حفظت عن ظهر قلب وصارت تتقاسم مع أغنية «غرباء»، الأغنية الرسمية للكتائب، التشغيل في سيارات المجموعة، بحسب سعيد الذي قال إنه في أي اجتماع كان يحضره حسن جزرة كان جميع القادة يذكرون جزءاً من أغنيته ويتبادلون معه الابتسام.