أدى القتال الذي اندلع منذ أشهر قليلة في الغوطة الشرقية، بين جيش الإسلام من جهة وفيلق الرحمن وهيئة تحرير الشام من جهة أخرى، إلى تقسيم الغوطة فعلياً بين قطاع دوما وما حولها الذي يسيطر عليه «الجيش»، وقطاع أوسط يسيطر عليه «الفيلق». لم يقتصر تأثير ذلك على إضعاف الجميع ضد النظام الذي يهاجم الغوطة بشكل يومي، بل تعداه إلى انقسامات إدارية وشروخ اجتماعية وحواجز وإعاقة نقل السلع أحياناً.

هل هذا ما تريده هيئة تحرير الشام وحركة أحرار الشام للشمال، بعد أن أضحى مركز ثقل الثورة ومحل هجرة من أخرجوا من ديارهم من أرياف دمشق وحلب وحمص وسواها؟! كيف يفكر المحرضون من الطرفين وهم ينفخون في النار لتزداد اشتعالاً بين فصيلين يعُدّ كل منهما عشرات (قليلة) من الآلاف، ويتوزعان في كل المناطق المحررة بين قرية وأخرى ومن بيت إلى آخر وداخل البيت الواحد، مما سيجعل الصدام العام بينهما كارثة كبرى تطال المناطق التي احتلت المرتبة الأولى في التضحية، خراباً للديار وفقداً للشباب والشيوخ والأطفال والنساء. وها هم المحرّضون اليوم يعِدون أهلها بخراب آخر من نوع جديد وطعم مرّ، بأن يكون بأسهم بينهم وأن توجّه مدافعهم نحو ديارهم وبنادقهم نحو صدور إخوانهم، بينما جبهاتهم مع النظام هادئة!

عقلاء «الساحة» (كما باتت البلاد تسمى!) كثيرون ومن كل الأطراف، وهم يحذّرون يومياً من حرمة الدماء ومن هول الصدام لو حصل. لكن الاشتباكات الموضعية ما زالت تندلع، وقتلى الطرفين يسقطون، والنفوس المحتقنة تتوعّد، والأرتال والأرتال المضادة تتحرك. فما الذي يحدث بالفعل؟

هل هي نتيجة فشل محاولات الاندماج في جسد واحد والتخلي عن الفصائلية؟ أم هل فقدت بعض كبرى الفصائل سيطرتها على كتلها الداخلية وانضباط أجنحتها التي باتت تتصرف على نحو مستقل وغير مسؤول؟ أم أن شهوة السيطرة البائسة على مجرد بلدات صغيرة أعمت بعض القادة عن مقتضيات الدين والأخلاق والمصلحة؟ أم هل اضطرب ميزان هؤلاء فلم يعد أمامهم سوى الهروب إلى الأمام؟

وهل يكفي كلام غير واضح عن التدخل التركي في إدلب لنتورط في تخوين بعضنا تمهيداً للاقتتال؟ وهل رفع أحرار الشام علم الثورة مبرر لإشعال فتيل الانفجار الذي سيودي بنا جميعاً؟!!