- الرئيسية
- مقالات
- رادار المدينة
يوسف زوعة... قصّة بطولة
في الحادي عشر من آب 2016 نعت الثورة السورية أحد أوفى أبنائها، لتضجّ الأوساط الثورية بنبأ استشهاده، وتملأَ صفحات الإنترنت مناقبه، كيف لا وهو البارّ الذي لم يتخلّ أو يجبُن عن الالتحاق بها والذّود عنها مرّةً تلو الأخرى، رغم ما لحقه وأصابه خلالها.
وُلد يوسف يحيى زوعة، قبل سبعة وثلاثين عاماً، في قرية بوزغار التابعة لمحافظة إدلب شمال سورية. متزوجٌ وله أربعة أطفال. خرّيج المعهد المتوسّط للآثار والمتاحف بدمشق، وشغل منصب مدير متحف الطّب والعلوم الإنسانية في حلب.
مولعٌ بالآثار
عُرف عنه حبّه الشديد وولعه بكل ما يمتّ للتراث والحضارة الإسلاميّين بصلة، بل تجاوز اهتمامه بالآثار درجة الحب ليصل إلى درجة الهوس. ولم تكن زياراته إلى مدينة حلب بين الحين والآخر تخلو من جولةٍ في أحيائها وأزقّتها القديمة؛ إذ لا بدّ من الاطمئنان على سلامة بعض آثارها الصّامدة!
إلا أنه كان يرى أن صمود الآثار السوريّة والحفاظ عليها لا يتأتّى إلا بإسقاط نظام الأسد، فقد كان يقول: «ليس هناك أي معنىً أو قيمةٍ لحفظ الآثار ما لم نُسقط هذا النظام، لأنّه سيزوّر كل تاريخنا وحضارتنا لو انتصر علينا».
ثائرٌ من الجيل الأول
عرفته الثورة مبكّراً، ابتداءً من المظاهرات وليس انتهاءً بحمل السلاح. عمل في بداية الاحتجاجات على تنظيم المظاهرات والمشاركة فيها متنقّلاً بين قرى وبلدات حلب وإدلب، حيث اشتهر باصطحاب مكبّرات الصوت. وكذلك شارك في العديد من النشاطات السلميّة الأخرى، التي كان أشهرها إطلاق «بوالين الحرية» وإلقاء عددٍ من اللافتات الثورية في نهر «قويق» الذي عرف في ما بعد بـ «نهر الشهداء».
حَمْل السّلاح
كما الكثيرين من أبناء الثورة، حمل (أبو يحيى) السّلاح دفاعاً عن سورية وشعبها، وانتقل مع زوجته وأولاده إلى مسكنٍ قريبٍ من إحدى الجبهات التي يشرف عليها، لئلا ينشغل بأهله عن جهاده ورباطه، ولتشاركه زوجته ثورته وتعالج رفاقه المصابين، وتعدّ لهم الطعام والشراب.
حاز عدة رتبٍ عسكريةٍ في صفوف الجيش الحرّ، فمن قائد كتيبةٍ إلى قائد لواء الأنصار، ليرحل أخيراً وهو يشغل منصب قائد المجلس العسكريّ لجيش المجاهدين، وأحد أبرز مؤسّسي غرفة عمليات فتح حلب والفاعلين فيها.
خاض وقاد العديد من المعارك، من أبرزها معركة تحرير الأتارب وباب الهوى وخان العسل والفوج 46 والراشدين، كذلك المعركة الشهيرة «فالمغيرات صبحاً» بمراحلها الخمس.
يقول الشيخ يحيى، صديقه المقرّب في جيش المجاهدين: «لم يُسجَّل تخلّفه عن أيّ معركةٍ من معارك حلب، بل كان يشارك أحياناً بصفته الشخصيّة إن لم يشارك فصيله بشكلٍ رسميٍّ ومباشر. كان يجمع ولا يفرّق، يلتفّ حوله ويحبّه كلّ من عرفه والتقى به، يعمل للمصلحة العامة ولا يعرف التعصّب لفصيلٍ دون غيره».
بقي ملازماً للجيش الحرّ إلى أن استُشهد في صفوفه، إذ كان يراه مشروع شعبٍ ثائر، وليس مشروع حزبٍ أو تنظيمٍ أو جماعة.
من السجن إلى المعركة
أوائل العام 2013 أُسِرَ يوسف لدى تنظيم داعش، ليطلق سراحه بعد عدّة أيامٍ بموجب صفقة تبادل، تحدّث خلالها عن سوء المعاملة التي تلقّاها، وبُعد التّنظيم عن أدنى تعاليم الإسلام.
عاد ليقع في الأسر مرّةً أخرى أواخر عام 2014 على يد إحدى الميليشيات الشيعية قرب قرية نبّل بريف حلب الشماليّ. وبعد تسعة أشهرٍ أُطلق سراحه مرّةً أخرى، بموجب صفقة تبادلٍ أيضاً. ونُقل عنه أنّه وضع خطةً لتحرير حلب خلال أسره في نبّل.
ومما رُوي عنه عقب خروجه من الأسر الثّاني أنه أصرّ على زيارة مقاتليه في المعسكر، لئلّا يشغلهم باستقباله عن التدريب والإعداد!
قائدٌ مقدام
عُرف بشجاعته وإصراره. يتقدم صفوف مقاتليه في المعارك، ليكون الاقتحاميّ الأول بينهم. وَحْدهُ الموت ما يحول بينه وبين أيّ هدفٍ يضعه نصب عينيه كما كان يقول، وقد حال الموت فعلاً بينه وبين حلمه بتحرير حلب.
سُئِل أحد مقاتليه، بعد أن أُصيب وفقد بصره، عن أكثر ما يشتاق إلى رؤيته فأجاب: «أشتاق لرؤية ظهر يوسف زوعة ونحن مقبلون على المعركة».
عُرف أيضاً بإعداده الجيد وتخطيطه، إذ كان يقول: «علينا أن نعدّ أنفسنا ونعرف عدوّنا بشكلٍ جيد، أما النتائج فهي من صنع الله نصراً كانت أم شهادة»!
أسّس قبل رحيله مدرسةً داخليةً شمال سورية، أطلق عليها اسم مدرسة إعداد القادة، فلئن رحل فإن غرسه سيثمر بعد حين!
غادرنا في معارك فكّ الحصار عن مدينة حلب، وودّعنا كما ينبغي لقائدٍ مثله أن يرحل... شهيداً جميلاً مضرّجاً بدماءٍ زكيّةٍ في أشرس وأنبل معارك حلب.