ناشطات مدينة جاسم يؤسّسن جسراً من الأمل للأطفال

في الجنوب السوري تستمرّ المبادرات الإيجابية في سبيل الحدّ من المعاناة التي يعيشها الكبير والصغير. ولأن فئة الأطفال هي الفئة الأكثر تهميشاً في ظلّ الحرب الراهنة، ولأنهم هم عماد المستقبل وثروته، كان لمجموعةٍ من الناشطات المدنيات من مدينة جاسم، في الريف الغربيّ لمحافظة درعا، دورٌ كبيرٌ في العمل على تأسيس مركزٍ يكون جسراً للأطفال نحو واقعٍ أفضل مليءٍ بالجدّ والنشاط على الرغم من كل هذه المآسي.

في «عين المدينة» كان لنا لقاءٌ مع السيدة نبال عسكر، صاحبة الفكرة ومديرة هذا المركز الذي أطلق عليه اسم «مركز العبور إلى المستقبل»، فقالت: «بدأ تفكير المؤسّسين والإدارة والمكتب الاستشاريّ في إنشاء المركز مستهدفين الشريحة العمرية من 12-18 عاماً، التي تشكل المرحلة الأكثر أهميةً في حياة الطفل. ولتحقيق ما نصبو إليه تمّت الاستعانة بكادر عملٍ متخصّصٍ في كل المجالات، كما تمت الاستعانة باستشاريٍّ في الشؤون القانونية والإدارية للإشراف على عمل المركز بشكلٍ مباشر».

وعن البداية تقول: «تحت شعار (معاً أقوى) تم الإعلان، بتاريخ 6/8/2016، عن إطلاق العمل. لم يكن هذا التاريخ إعلاناً عن تأسيس المركز وإشهاره فقط، بل كان إيذاناً ببدء العمل لتحقيق رؤية المركز (مجتمعٌ سليمٌ معافى من الأمراض الاجتماعية)، وتكريس رسالته (الإنسان هو الهدف والغاية والوسيلة) واقعاً معاشاً. ومع اعتماد المركز شعار (معاً أقوى) شعاراً رسمياً له علم الجميع أنهم يَعِدون بتقديم الأفضل في المنطقة، وأنه لا بد لهم من النجاح في المهام التي نذروا أنفسهم لتحقيقها».

وعن أهم النشاطات التي نظمها المركز تبيّن عسكر: «تمثلت الأنشطة المستمرّة في إيجاد أقسامٍ تدريسيةٍ هي: قسم تعليم مبادئ الكهرباء والميكانيك، وقسم المعلوماتية والكمبيوتر، وقسم الفنون النسوية، وقسم الرسم، وقسم الخياطة والتطريز، وقسم الدعم النفسيّ، وقسم الرياضة والترفيه. وقد بوشر بتسجيل الأطفال في البرنامج التدريبيّ الأول، ولوحظ أنهم كانوا يرغبون في التسجيل في جميع الأقسام، الأمر الذي دعا الإدارة إلى التدخل حتى لا يتم اقتطاع وقتٍ كبيرٍ منهم على حساب دراستهم، وبالفعل تمّ التوفيق بين هذه وتلك. كما تمثلت الفعاليات الدورية في إطلاق عدّة أنشطةٍ فكريةٍ وثقافية. واستطاع القائمون على المركز تحقيق ثنائيةٍ رائعةٍ بتلك الأنشطة، وهي الترفيه والفائدة. كما تم إطلاق مسابقة شطرنج، ومسابقاتٍ شعرية، ونشاطٍ لدهان الرصيف، وإعادة تأهيل المقاعد الدراسية، وزراعة الورود في الحديقة العامة في المدينة، وغير ذلك. ولأنه من ضمن أهداف المركز إخراج الأطفال من حالة الاكتئاب واليأس التي تعتريهم إلى حالةٍ من التفاؤل بمستقبلٍ يسهمون في صناعته، تم اعتماد برنامجٍ أسبوعيٍّ لأخذهم إلى إحدى مزارع الخيول وأحد المسابح ليقضوا وقتاً خارج حدود الهموم. ومع دخول العام الدراسيّ أطلق المركز نشاطاً آخر تمثل في دورات تقويةٍ للطلاب في مواد اللغة العربية والإنجليزية والفرنسية والرياضيات».

ظهرت الحصيلة الأولى لهذا العمل المميّز في حفلٍ كان الأكبر من نوعه في المنطقة، عمل عليه كلٌّ من كادر وأطفال مركز العبور، ولاقى صدىً كبيراً في مدينة جاسم والريف الغربيّ لمحافظة درعا عموماً. وللحديث عن هذا الحفل التقينا المدير الإعلاميّ للمركز، السيد أحمد الحسين، الذي قال: «مع حلول موعد تخريج طلاب البرنامج التدريبيّ الأول بدأنا بالتحضير لهذا الحفل، فقام الأطفال بتحضير لوحاتٍ رائعةٍ مما تعلموه في المركز وقدّموها على المسرح لتعبّر عن عملهم ونشاطاتهم. كان 4/11/2016، يوم حفل تخريج طلاب البرنامج التدريبيّ الأول، تاريخاً مميزاً. إذ قدّم الأطفال أمام ذويهم وأمام الحضور لوحاتٍ مما نهلوه في المركز، فزادت ثقة الآباء به، وزاد إعجاب المسؤولين الذين حضروا الحفل بما يمكن للإنسان السوريّ أن يقدّمه».

طريق أملٍ جديدٌ فتح للأطفال في مدينة جاسم، قدّمه مركز العبور إلى المستقبل بجهود الكادر الإداريّ والتدريسيّ الذين يسود بينهم جوٌّ أسريٌّ مليءٌ بالحب والسعادة بالعمل الذي يقدّمونه، والذي نال إعجاب الأطفال المستهدفين وذويهم والهيئات المدنية في المدينة. وقد أكد السيد عمران الحلقي، والد أحد الأطفال الذين خرّجتهم الدفعة الأولى من برنامج المركز، على السعادة الكبيرة التي رافقت طفله وأطفال الحيّ بالنشاطات التي يقوم بها المركز: «تزيد هذه الفعاليات من إصرار طفلي على التعلم. لا أقلق عليه في ظل وجود هذه الرعاية التي يقدمها المركز لأطفال العبور إلى المستقبل».