موسم قمحٍ جديدٌ بقليلٍ من الأمل

عدسة ياسر علاوي | موحسن

حسين رمضان

لا توجد أرقامٌ أو تقديراتٌ قريبةٌ من الواقع، يمكن من خلالها معرفة مساحات الأراضي المزروعة بالقمح هذا العام. لكن المؤكد أن موسم القمح في دير الزور لن يكون على ما يرام.

في سلوكٍ عنيدٍ نجح بعض الفلاحين في القرى القريبة من مطار دير الزور العسكريّ، حيث جبهات القتال، في زراعة أراضهم، متحدّين القذائف والطائرات. لكن آخرين، ومن ذات القرى، لم يفعلوا. وآخرون في مناطق بعيدةٍ عن القتال لم يزرعوا أرضهم كذلك، ولأسبابٍ أخرى ليست لها علاقةٌ مباشرةٌ بالحرب، فابتداءً من بلدة البوليل، في ريف دير الزور الشرقيّ، يمكن للفلاحين أن يزرعوا دون خوف. لكن هذا لم يحدث بوجهه الصحيح، لأسبابٍ عدّةٍ منها ارتفاع أسعار مستلزمات الإنتاج الزراعيّ، من بذارٍ وأسمدةٍ وأدوية، وارتفاع أسعار الوقود، واضطراب العمل في مشاريع الريّ، إضافةً إلى انهيار منظومة الرعاية والتحكم بالعملية الزراعية. وكذلك لأسبابٍ أخرى مثل التلوّث بالنفط، والذي يشكّل، بحسب بعض المهندسين الزراعيين، سبباً لانتشار بعض الآفات الزراعية، وخاصةً للقمح.

موسم العام 2013

في موسم العام الفائت وصلت تكلفة إنتاج الطنّ الواحد من القمح في دير الزور إلى 60 ألف ليرة، ولم تقلّ عن مبلغ 45 ألفاً، متضمنةً تكاليف كلٍّ من الحراثة والبذار والسماد والدواء والحصاد، إضافةً إلى الريّ وأجور العمل والنقل. ووقع الفلاحون أمام خيارٍ صعب، إذ كانت الأسعار التي طرحتها مؤسسة الحبوب التابعة للنظام أعلى من الأسعار التي يعرضها التجار، وفي الحالتين خسر كثيرٌ من الفلاحين على كلّ كيلوغرام من القمح ما يعادل العشرين ليرة إن باع لمؤسسة الحبوب، التي سعّرت الكيلوغرام الواحد بين (37-42) ليرة، وتفاقمت الخسارة في حالة البيع للتجار والسماسرة، الذين دفعوا بممارساتهم الاستغلالية ببعض الفلاحين إلى البيع بسعر 30 ليرة فقط. وأحجم آخرون عن عملية البيع كلها، مفضّلين أن يخزّنوا قمحهم على أن يبيعوه بهذه الأثمان البخسة. ومن جانبٍ آخر كانت عملية تسويق القمح في الموسم الماضي مسألة رأيٍّ عام، وأثارت الجدل في المناطق المحرّرة إلى حدٍّ كبير، إذ اعتُبر البيع لمؤسسة الحبوب خرقاً لمقاطعة مؤسّسات النظام ودعماً لاقتصاده، وكذلك منحه شرعيةً افتقدها بأفعاله الوحشية. فحاولت بعض حواجز الجيش الحرّ تعطيل عملية التسويق هذه، واستجاب الكثير من الفلاحين لهذه المقاطعة، مما حقق مناخاً ملائماً للابتزاز من قبل بعض التجار، الذين قاموا بدورهم بالالتفاف على هذا الحظر الثوريّ، وأعادوا توريد القمح لمؤسسة الحبوب.

هل تتدخّل الحكومة المؤقتة؟

تردّدت بعض الأخبار من أروقة الحكومة المؤقتة عن عزمها على القيام بشيءٍ ما بخصوص موسم القمح لهذا العام. وهي خطوةٌ في الاتجاه الصحيح، وإن تأخرت كثيراً، لكنها قد تخفف من معاناة الفلاحين إن تمكنت الحكومة المؤقتة من وضع خطة شراءٍ وتخزينٍ مرنةٍ وعملية، وأمامها القليل من الوقت لفعل ذلك، إذ أوشكت عمليات الحصاد على الانتهاء، وبدأ الفلاحون ببيع محاصيلهم، لكن الفرصة ما تزال قائمةً لتطبّق الحكومة خطةً تسويقيةً مناسبةً تنصف الفلاح وتحقق شيئاً من الأمن الغذائيّ المهدّد في المناطق المحرّرة، إضافةً إلى تفويتها فرصة الشراء على النظام. وفوق كلّ هذا تصنع الحكومة المؤقتة لنفسها بهذه الخطوة شيئاً من الشرعية بشكلٍ فعليّ. ولا شك أن عملاً كهذا يتطلب إرادةً حازمةً، وإحساساً بالمسؤولية الوطنية، ومعرفةً دقيقةً بالتفاصيل، إضافةً إلى أدوات التنفيذ التي يمكن أن تشكّلها المجالس المحلية المنتشرة في كلّ قريةٍ وبلدةٍ في ريف دير الزور المحرّر بكامله، وفي بقية المناطق المحرّرة.

بالاعتماد على التـقديرات الجزئــية في بعـــض القرى حول مســــــاحات الأرض المزروعة بالقمح يمكن القول، وبغير دقة، إن مجموعها قد تقلص في عموم دير الزور إلى النصف، بعد أن تجاوزت المساحة المرويّة للقمح 80 ألف هكتارٍ في عام 2010، وفق أرقامٍ رسميةٍ في وقتها.