معارك حيّ الشيخ مقصود بحلب.. واختصاصيٌّ يستبعد استخدام أسلحةٍ كيماوية

قضى مدنيون في حيّ الشيخ مقصود بحلب نتيجة سقوط قذائف مصدرها فصائل تابعة للجيش السوريّ الحرّ، خلال معاركهم ضد وحدات حماية الشعب الكردية YPG التي تسيطر على الحيّ. وبالمقابل يقتل قنّاصو الوحدات مدنيين آخرين يومياً باستهدافهم على طريق "الكاستيلّو" الذي يصل الأحياء المحرّرة من مدينة حلب بالريف. وذلك في الاشتباكات المتصاعدة بين الطرفين منذ مطلع الشهر الجاري وحتى الآن.

واتهم ناشطون أكراد الفصائل المقاتلة باستهداف الحيّ بالأسلحة الكيماوية، وتداولوا تسجيلاتٍ مصوّرةً توثق لحظة سقوط قذائف انبعث منها دخانٌ أصفر اللون، كما بثوا تسجيلاتٍ لأشخاصٍ كانوا يخضعون لجلسات رذاذٍ في أحد المشافي، وقالوا بأنهم تعرّضوا للاختناق نتيجة سقوط القذائف بالقرب منهم واستنشاقهم الدخان الصادر عنها. كما استندوا إلى بيانٍ صحفيٍّ أصدره "جيش الإسلام"، أحد الفصائل المشاركة في المعارك، أعلن فيه عن إحالة أحد قياديه إلى المحكمة التابعة له على خلفية استخدامه أسلحةً غير مصرّحٍ له باستخدامها في المنطقة. إلا أن المتحدث الرسميّ لـ"جيش الإسلام" نفى أن تكون الأسلحة التي أُشير إليها في البيان أسلحةً محرّمةً دولياً، وأوضح، في تصريحاتٍ للعديد من وسائل الإعلام، أن الأسلحة المقصودة هي صواريخ من طراز "غراد" مُعدّلة، ولا تحوي مواد كيماوية.

عملية الشيخ مقصود ردّة فعل
وقال ورد فراتي، مدير المكتب الإعلاميّ لـ"تجمع فاستقم كما أمرت"، أحد الفصائل المشاركة في العملية، في تصريحٍ خاصٍّ لـ"عين المدينة": "العملية العسكرية التي أطلقتها عدّة فصائل ثورية ضدّ قوّات حزب PYD في الحيّ لم تكن خياراً لتوسيع النفوذ، وإنما كانت على خلفية عدّة أمورٍ أبرزها استهداف عناصر الحزب لطريق الكاستيلّو مراراً بالقنّاصات والقذائف، مما أدى إلى سقوط عددٍ من المدنيين بين قتيلٍ وجريح. ومنذ إجماع الفصائل الثورية على المعركة كانت أوامر القادة العسكريين باستخدام الأسلحة الموجّهة وحظر الأسلحة العشوائية حرصاً على سلامة المدنيين".

وأكد فراتي أن الثوار كانوا ينظرون إلى حيّ الشيخ مقصود كأحد الأحياء المُحرّرة التي يعيش فيها المدنيون بأمان، على الرغم من أنه يقع كلياً تحت سيطرة حزب PYD الذي يختلفون معه في عدّة أمور. إلا أن التطوّرات الأخيرة في حلب وريفها الشماليّ، حين احتلّ الحزب العديد من البلدات والمدن بدعمٍ جوّيٍّ روسيٍّ واضح، جعلته عدوّاً للثورة كباقي أعدائها. لا سيّما بعد محاولات قوّاته أخيراً التقدّم في بعض المناطق المحيطة بحيّ الشيخ مقصود، وقطع طريق الكاستيلّو، الذي يُعتبر آخر المنافذ الواصلة بين مدينة حلب وأريافها، مرّاتٍ عديدة.

مبادرةٌ لتحييد المدنيين
وفي التاسع من نيسان الجاري طرحت غرفة عمليات "فتح حلب" التابعة للجيش الحرّ مبادرةً تتضمن تأمين خروج المدنيين من ساحة القتال في الحيّ، وتعهدت خلالها بتأمين عودتهم فور الانتهاء من العمليات العسكرية. وذلك في بيانٍ رسميٍّ حصلت "عين المدينة" على نسخةٍ منه، طالبت الغرفة فيه المنظمات الدولية بالضغط على "الميليشيات الكردية" للموافقة على المبادرة والكفّ عن ممارساتها العدائية واستعمال المدنيين كدروعٍ بشريةٍ لتحقيق أهدافها العسكرية.

وحول المبادرة قال فراتي: "أُطلقت المبادرة بعد تلقينا العديد من مناشدات المدنيين القاطنين في الحيّ، ومنهم عوائل بعض مقاتلي الجيش الحرّ الموجودين هناك، للضغط على حزب PYD للسماح للراغبين في مغادرة الحيّ بذلك، بعد منع الحزب الخروج بشكلٍ كامل. نحن لا نحاصر المدنيين، من يحاصرهم هو من يمنع خروجهم وتحييدهم. إن الطريق الواصل بين الحيّ والمناطق التي نسيطر عليها لم يُغلق قط. إضافةً إلى أننا نشاهد على صفحاتهم الإخبارية يومياً صوراً لتشييع قتلاهم في مدينة عفرين بريف حلب الشماليّ، الذين ينقلونهم من حيّ الشيخ مقصود إلى هناك مروراً بمناطق سيطرة قوّات النظام، الأمر الذي يؤكد عمالتهم لنظام الأسد الذي يفتح لهم الطريق مروراً ببلدتي نبّل والزهراء".

رأيٌ طبّيّ
وبالعودة إلى الاتهامات باستخدام أسلحةٍ تحوي على مواد كيماويةٍ عرضت "عين المدينة" التسجيلات على الدكتور حسام نحاس رئيس فرق التدريب لمواجهة المخاطر الكيميائية وغير الاعتيادية في سوريا، الذي استبعد أن يكون المصابون الذين ظهروا في التسجيلات قد استنشقوا حقاً غازاتٍ منبعثةً من سلاحٍ كيماويّ.

وأشار نحاس إلى أن "المواد الكيماوية التي يمكن حشوها في القذائف الصاروخية أو المدفعية هي خمسة أنواع، الأول منها هو الفوسفور العضوي. ولو كان هذا النوع مستخدماً لظهرت على المصابين اختلاجاتٌ، وتضيّقٌ في حدقة العين، ومفرزاتٌ غزيرةٌ تخرج من المصاب، وهذا لم نشاهده في التسجيلات التي عُرضت. أما طلب المُسعِفين خلالها للأتروبين والأدرينالين فغير مقنع، لأن جميع الذين ظهروا في التسجيل كانوا واعين ومدركين لما يحدث حولهم، وبالتالي لا توجد حاجةٌ للإنعاش باستخدام الأدرينالين، ولم تُظهر التسجيلات خروج مفرزاتٍ من أفواههم، مما لا يستدعي استخدام الأتروبين".

وتابع: "النوع الثاني هو الغازات المولدة للحويصلات، وأيضاً لم تثبت التسجيلات استخدامه. وقد سبق لتنظيم داعش أن استخدمه في قصف مدينة مارع بريف حلب الشماليّ، وجميعنا شاهدنا الأعراض التي ظهرت على المصابين حينها، وهي احمرار العينين وتورُّم الأجفان، بالإضافة إلى احمرار الجلد وحكّةٍ شديدةٍ وظهور حويصلات. أما النوع الثالث فهو الغازات المعدّلة للسلوك، والتي تتسبّب في حالات اهتياجٍ وتخليطٍ ذهنيٍّ شديد، بينما شاهدنا معظم الذين ظهروا في التسجيلات هادئين وبعضهم تحدّث للكاميرا. والنوع الرابع هو الغازات السامة دموياً، والتي تتسبّب في توقف القلب والتنفس بسبب السمّية الدموية. والنوع الخامس والأخير هو الغازات الخانقة ومنها الكلور، والتي تتسبّب في هجمة سعالٍ شديدٍ لمن يستنشقها نتيجة التخرّش الشديد الذي تسبّبه في الطريق التنفسيّ. وجميع الذين ظهروا في التسجيلات لم تبدُ عليهم أعراض الشدّة التنفسية".