- الرئيسية
- مقالات
- رادار المدينة
مسلسل الاغتيالات الطويل في مناطق قسد بدير الزور
استهدف مسلحون على دراجة نارية مساء الجمعة الماضية، ثلاثة رجال في مدينة البصيرة بريف دير الزور الشرقي الخاضع لسيطرة "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد)، ما أدى إلى مقتل اثنين ونقل الثالث إلى مستشفى بلدة شحيل بعد الإصابة. يأتي هذا الاستهداف ضمن سلسلة اغتيالات شاعت في الجزء الخاضع لسلطة قسد في ديرالزور منذ القضاء على آخر معاقل تنظيم "الدولة الإسلامية" فيها.
ينتمي إحدى الضحيتين إلى صفوف قسد، بينما يعمل الآخر "كومين" بالمجلس المدني، وقد سارع التنظيم إلى تبني عملية الاغتيال التي تمت بواسطة مسدس مجهز بكاتم للصوت، رابطاً بين عملية الاغتيال وانتماء الضحايا إلى حزب العمال الكردستاني (pkk) كما جاء في خبر نشره إعلام "ولاية الشام-الخير" على وسائل التواصل الاجتماعي.
لم تتوقف عمليات الاغتيال منذ سقوط آخر معاقل تنظيم الدولة ببلدة الباغوز في آذار من العام 2019، والتي وصلت في شهر أيار الفائت وحده إلى أربع عمليات، وسبقها سبعة أخرى في شهر آذار، تبنى تنظيم الدولة خمسة منها بينما سجلت اثنتان ضد مجهول. وتعتبر الأشهر الخمسة الأولى من العام 2020 وفق ما رصدت عين المدينة، أكثر فترة شهدت فيها المنطقة عمليات اغتيال وراح ضحيتها قرابة 60 شخصاً.
اتخذت تلك الاغتيالات أشكالاً مختلفة تنوعت بين استخدام العبوات الناسفة والنحر، واستهدفت وجهاء محليين مثل مطشر الهفل وطليوش الشتات، وقادة سابقين في الجيش الحر مثل إسماعيل عايش الحويجة الملقب ب"أبو إسحاق الأحوازي" وإبراهيم محمود الخضر الملقب ب"أبو بكر قادسية"، وهؤلاء عادة ما يتهم الأهالي قياديين في قسد باغتيالهم للتخلص من شعبيتهم ووقوفهم ضد قوانينها، لكن يبقى استهداف عناصر من قسد أو مؤسساتها المدنية هو الأكثر شيوعاً، عبر إطلاق النار من خلال الأسلحة الفردية. ويذهب بعض الأهالي لاتهام جهات تتعامل مع النظام السوري والميليشيات الإيرانية في الوقوف وراءها.
وبحسب أحد الناشطين الإعلاميين في منطقة البصيرة الذي طلب عدم ذكر اسمه لأسباب أمنية، كما جميع من تحدثت إليهم عين المدينة، فإن "الاغتيالات تقف خلفها جهتان فقط: داعش وقسد، أما خلايا النظام ربما يقتصر عملها على زراعة الفوضى في المنطقة وتفجير بعض العبوات. الاغتيالات تتم بعمل منظم، وأغلب الشخصيات التي جرى اغتيالها هي إما مناوئة لسياسة قسد بالمنطقة، أو تعمل في صفوف قسد، وبالتالي قد يكون داعش هو المسؤول عنها".
لا تتدخل قسد في حال كان المقتول مدنياً أو موظفاً في مؤسساتها الخدمية، وتتدخل فقط في حال كان مقاتلاً ضمن صفوفها، إذ تنقل جثته إلى مركز طبي للقيام بإجراءات تسجيل حادثة الوفاة، ليتم بعدها تسليم الجثة لذويه. وترتب في بعض الأحيان مراسم جنازة للقتيل ترفع خلالها صورته، خاصة في القرى والبلدات التي لا تشهد وجوداً كبيراً لخلايا تنظيم الدولة مثل الريف الغربي لدير الزور وبلدات هجين والشعيطات.
محمد من بلدة ذيبان روى تفاصيل مقتل شقيقه الذي كان عنصراً سابقاً لدى قسد بالقول: "بعد أن علمنا بخبر اغتيال شقيقي من قبل مجهولين، جلبنا جثته التي بقيت في الطريق دون أن يقترب منها أحد، في حين لم يحضر أحد من قياديي وعناصر قسد على الرغم من أن شقيقي الثاني لا يزال يعمل في صفوفهم، وأبلغ مقر القيادة بناحية ذيبان بالحادثة"
تعتبر الشوارع العامة أكثر الأماكن التي تحدث فيها عمليات الاغتيال، حيث تتيح للمهاجمين سهولة الهروب بعد تنفيذ العملية. فبعد أن تمر الدراجة النارية التي يستقلها المهاجون بقرب الهدف عندما يتوسط الطريق، يستهدفه راكبوها ويتابعون طريقهم عبر الطرقات الفرعية.
وغالباً لا يجرؤ أحد على الاقتراب من المستهدف بعد فرار مستهدفيه، خشية من تهديد مسبق أطلقه تنظيم الدولة عبر منشورات ورقية لكل من يحاول الدفاع عن الهدف أو إنقاذ مصابين من قسد، بينما يقترب الأهالي فقط للتعرف على سلاح الاغتيال من خلال الطلقات التي يعثرون عليها في المكان، وغالباً ما يكون "أكاي" (ak-74) وهو سلاح ذو فوهة طويلة يتم قصها لسهولة إخفائها تحت اللباس.
فرضت عمليات الاغتيال عبر السنوات الفائتة قوانين وأجواء خاصة عديدة على المجتمع المحلي، إذ تؤثر العمليات بشكل كبير على أوقات النشاط التجاري في الأسواق، لذلك حُدد وقت مغيب الشمس كموعد لإغلاق غالبية محال المنطقة باستثناء بعض الصيدليات ومحال الحلويات ودكاكين البقالة التي تستمر حتى التاسعة.
أفاد صاحب سوبر ماركت في بلدة الشحيل لعين المدينة، بأنه يغلق محله عند قرابة الثامنة مساء خشيةً من عمليات الاغتيال، وربط توقيت الإغلاق بحادثة وقعت منذ قرابة عامين أمام محله، حيث استهدف مسلحون يستقلون دراجة نارية دورية تابعة لقسد قبل أن يلوذوا بالفرار، لتصل بعدها تعزيزات لقسد اعتدت عليه بالضرب والشتائم بعد أن نفى معرفة أصحاب الدراجة.
ولم يتوقف الأمر عند حدود النشاط التجاري، فعمليات الاغتيال التي تشهدها غالبية المنطقة الخاضعة لقسد في دير الزور، تفرض ما يشبه حظر تجوال بين القرى يلتزم به الأهالي بعد مغيب الشمس بقليل، ما تسبب بتراجع عادة "التعليلة" بين الأقارب والمعارف من القرى المجاورة، واقتصرت على جيران المنزل ضمن القرية الواحدة فقط.
إلى ذلك زادت عمليات الاغتيال من حدة الاحتقانات بين عشائر دير الزور، إذ تجددت النزاعات الأهلية القديمة نتيجة اتهام أحد أطرافها الطرف الآخر بالوقوف وراء أي عملية اغتيال تطال أحد أفراد العشيرة، الأمر الذي يساهم في اندلاع اشتباكات بين العشيرتين.
وفي هذا الصدد، قال أحد الناشطين من بلدة ذيبان لعين المدينة أن الاحتقانات العشائرية تزايدت في البلدة بشكلٍ كبير منذ بداية حوادث الاغتيال بسبب تجدد الخلافات السابقة بين العشائر، والتي تعود غالباً إلى نزاعات على أراض زراعية، لكنها ما تلبث أن تتطور إلى اصطدامات بعد مقتل شخص من أحد الأطراف.
وذكّر ناشط آخر من ريف دير الزور بالاقتتال الذي حدث منذ قرابة العامين بين عشيرتي البكير والبو فريو، بعد أن اغتالت خلية لتنظيم الدولة عنصراً من قسد ينتمي لعشيرة البكير على أطراف قرية النملية، وكان والد القتيل قد تعرف على أحد أفراد الخلية وينتمي لعشيرة البو فريو. تطور الأمر لاحقاً عندما اغتيل شخص آخر من البكير، ما دفع بأبناء الأخيرة إلى قتل 8 أشخاص من عشيرة البوفريو في قرية ماشخ وتهجير الباقي.
ومن ناحية أخرى، قال أحد الناشطين المدنيين ويعمل مدرساً في قرية الزر لعين المدينة: إن "المنظمات الخدمية المحلية لم تدخل قريتنا حتى الآن، وذلك بسبب كثرة حوادث الاغتيال التي جرت فيها خلال الفترات السابقة. طلبت من منظمة "بداية" القدوم إلى القرية منذ قرابة عامين لإصلاح بعض الشبابيك والأبواب في مدارس القرية، قالوا لي هل تكفل سلامة موظفينا إن جاؤوا؟ وقتها لم أعرف بماذا أجيبهم".