محالّ بيع الأسلحة:
بين ثراء التجار وخراب المجتمع

يقف جمعة، ابن السبعة عشر ربيعاً، في محلٍّ لبيع الأسلحة في مدينة جسر الشغور بريف إدلب. جرّب بارودة كلاشينكوف، تفحصها بدقة، قرّر الشراء بعد جدالٍ طويلٍ مع البائع. فهو يريد أن يكون مثل أقرانه في قرية الكستن، يحمل بارودته ويركب دراجته النارية، يشارك في الأعراس ويطلق النار. دفع 450 دولاراً وخرج متباهياً.

قوانين صارمةٌ وفسادٌ في تطبيقها
يعاقب القانون السوريّ بالسجن من خمس سنواتٍ إلى خمس عشرة سنةً، وبغرامةٍ لا تقلّ عن ثلاثة أمثال قيمة الأسلحة أو الذخائر المضبوطة ولا تزيد على عشرة أمثالها، لكل من هرّب أو شرع في تهريب أسلحةٍ أو ذخائر بقصد الإتجار فيها، وكلّ من حاز أسلحةً أو ذخائر وهو عالمٌ بأنها مهرّبةٌ بقصد الإتجار أو الاستخدام. ويحكم على الشريك والمتدخل بعقوبة الفاعل الأصليّ.

قوانين كثيرةٌ أصدرتها دمشق في محاولةٍ لضبط حيازة الأسلحة أو تهريبها. وبسبب الفساد والمحسوبية في ظلّ النظام السوريّ لم تحدّ هذه القوانين من انتشار السلاح، فالكثير من سكان الأرياف كانوا يقتنونه ويستخدمونه في المشاجرات، والأعراس والمناسبات.

أسبابٌ كثيرةٌ والتجار هم المستفيدون
خلال السنوات الخمس الأخيرة كثرت المحالّ التي تبيع الأسلحة، فلا تكاد تخلو قريةٌ من أماكن لبيع السلاح والذخيرة. فالانفلات الأمنيّ في الكثير من المناطق الخارجة عن سيطرة النظام أو التي ما زال يسيطر عليها، والحرب التي يشنها النظام ضد المطالبين بإسقاطه، وانضمام غالبية الشباب إلى أحد طرفي القتال؛ جعلت المظاهر العسكرية سائدةً ومسيطرةً في كل مكان، وضاعفت عدد المتاجرين بأدوات الحرب عشرات المرات، بعد أن أصبحت تجارةً مربحةً تدرّ على صاحبها الملايين.

أحمد العلي، تاجر أسلحةٍ من ريف حماة الشماليّ قال لـ«عين المدينة»: «أعمل بتجارة السلاح منذ 15 عاماً. كنت سابقاً أعمل في الخفاء ولا أعرض ما لديّ إلا للذين أثق بهم، أما الآن فنعمل في العلن وتضاعفت أرباحنا. هناك الكثير ممن يعمل بتجارة الأسلحة بين مناطق النظام ومناطق المعارضة، ولكن التجارة المربحة أكثر هي مع داعش، فمن يستطيع أن يصل إلى تلك المناطق بما لديه من أسلحةٍ يحقق أرباحاً كبيرةً لأن التنظيم يدفع مبالغ باهظة. تأتي غالبية السلاح من مناطق النظام، أما فصائل الثورة فتمنع بيع الأسلحة لمناطق النظام أو لداعش».

انتشار السلاح في مناطق سيطرة النظام
لم تقتصر محالّ بيع السلاح على مناطق المعارضة، بل انتشرت في مناطق سيطرة النظام أيضاً، وبخاصةٍ في المدن الحدودية مثل طرطوس واللاذقية، التي كانت منفذاً لتهريب كمياتٍ كبيرةٍ من السلاح القادم من صقلية ولبنان، بالإضافة إلى ما يبيعه الشبّيحة والجنود مما يسرقونه من الجيش. تتمّ تجارة الأسلحة في مناطق سيطرة النظام برعاية أفرادٍ من آل الأسد على الغالب، يتربحون من هذه التجارة بدراية الجهات الأمنية. ودائماً تكون الحجة هي تشكيل لجان دفاعٍ محلية، ليتمّ في ما بعد بيع الأسلحة في السوق السوداء، وتشكل خطراً على حياة المدنيين. وقد هزّ مصرع الطفل توفيق إبراهيم اللاذقية، بعد أن تشاجر شبانٌ في احتفالٍ بكنيسة مار أندراوس في المدينة، فألقى أحدهم -وهو عنصرٌ في الدفاع الوطنيّ- قنبلةً وسط المحتفلين، قبل أن يفشل في إلقاء الثانية.

تعدّدت طرق العرض والنتيجة واحدة
وفي الشمال السوريّ تتضاعف مراكز بيع السلاح مع الزمن بشكلٍ كبير، حتى صارت مثل محالّ الألبسة، تعرض فيها البضاعة دون خوفٍ من أيّ جهةٍ في ظلّ الانفلات الأمنيّ. تجد في تلك المحالّ الأسلحة المتوسطة والخفيفة وكافة أنواع الذخائر، بالإضافة إلى مستلزمات الأسلحة وقطع غيارها.

وفي الآونة الأخيرة انتشرت ظاهرة التجارة بالسلاح عبر الإنترنت، من خلال إنشاء صفحات فيسبوك وغرف واتس اب لاقت رواجاً كبيراً بين البائعين والمشترين، كصفحة سوق إدلب، وسوق سرمدا، وسوق الدانا في الشمال السوريّ، وعشراتٍ غيرها. وهي صفحاتٌ تعرض الأدوات المستعملة عموماً، لكن أغلب المعروض فيها هو الأسلحة. وما يُعرض على الغالب هو الأسلحة الخفيفة، أما المتوسطة فقليلة العرض، ويندر عرض الثقيلة على الصفحات لأن مشتريها معروفون وهم قادة الفصائل الكبرى.

وبات السلاح يعرض حتى على بعض البسطات، لكنها على الغالب تبيع ملحقات الأسلحة وقطع غيارها وذخيرتها، والأسلحة البيضاء مثل السكاكين والخناجر.

أما جمعة، ابن قرية الكستن، فلم يمضِ أسبوعٌ على شرائه البارودة حتى قتل بها أباه وخالته وأخويه، بعد شجارٍ بينه وبين والده هاشم المصطفى، لينهي حياة أسرةٍ كاملةٍ بطرفة عينٍ ولسببٍ بسيط.

من ريف إدلب الجنوبي – خاص عين المدينة