- الرئيسية
- مقالات
- رادار المدينة
كشك محيمد وشركاؤه ... مديرية الشؤون المدنية في الحسكة
في استطلاع أجرته "شبكة البعث ميديا" التابعة للنظام في بداية كانون الثاني الماضي لرصد شكاوى الأهالي ومعاناتهم مع مديرية الشؤون المدنية في الحسكة "النفوس"، يظهر الموظف محيمد متبسماً للكاميرا خلف أحد المراجعين الذين التقاهم المذيع، ثم يعود بابتسامته مرة أخرى وهو يرفع بنطاله ويرتب جاكيته أثناء مداخلة مدير السجل المدني في رأس العين.
كان لمحيمد أن يكون مثل الكثير من الموظفين السوريين في القطاع الحكومي الذين يحاولون عبر "الإكرامية" أو "الهدية" أو الرشوة أن يوازنوا بين الأعمال التي يبذلونها ثم تكاليف المعيشة ودخلهم الشهري، بحيث يصل واردهم الشهري إلى حد ينتشلهم من الحياة اللاآدمية التي يحتّم راتب الموظف على الأخير العيش فيها، وبحيث لا يغدو عملهم كما لو كان دون مقابل، أو لا يضطروا إلى البحث عن عمل أو عملين بعد انتهاء الدوام ب "السخرة" في العمل الحكومي. لكن محيمد أكثر من ذلك.
على المستوى الوظيفي يعمل محيمد في مكتب استخراج دفاتر العائلة، حيث يستقبل المراجعين فور دخولهم –كما تحدث العديد منهم لعين المدينة- موظف يشارك محيمد في الغرفة، ببدلة رسمية وربطة عنق، مقطب الوجه دائم الصراخ بالمراجعين "خليك بعيد عن الطاولة"، وإذا لم يستجب أحدهم: "اجيب لك الحرس". فيما يكشر محيمد وراء طاولته مبتسماً لاستقبال الطلبات المرفقة بعشرة آلاف ليرة سورية فما فوق، كأحد المؤسسين للتطبيع مع التعامل بالرشوة في النفوس كأمر مفروغ منه وعلني، لكن الابتسامة المعهودة تزول فور اكتشاف أن المراجع لن يدفع العشرة آلاف، أو أنه يحاول أن يدفع أقل بقليل منها؛ عندها بكل البرود الذي يمنحه إياه عمله البيروقراطي: "تعال بعد شهر".
يقول مهند (33 عاماً من رأس العين) لعين المدينة أن ردود محيمد على رافضي دفع الرشوة تختلف بحسب مزاجه الشخصي، فعندما ناقش مهند عن كون 10 ليرة مبلغاً كبيراً وغير متناسب مع الوضع المادي له، قاطعه محيمد "المعلم معصب، ما نقدر نفوت عليه؛ روح وارجع بعدين".
يضيف أنه عندما وافق على دفع المبلغ تراجع الموظف مباشرة "ارجع بعد ساعة يكون المعلم روّق". يقصد محيمد بالمعلم مدير النفوس فيصل حمدية الذي يصفه مراجعون بأنه صاحب الكشك الذي يجمع "الغلة" نهاية النهار لعدها وتقسيمها، ويعقب العديد منهم "ياخي اش تكتب! خلينا مكيفين بيهم".
أغلق النظام مقر النفوس الأساسي الكائن في حي غويران في الحسكة منذ آب 2016 بعد سيطرة قوات "وحدات حماية الشعب" على الحي، ثم افتتحها بعد خمسة أشهر في مقر مؤقت يقع في الطابق الرابع من بناء فرع المؤسسة الاستهلاكية وسط المدينة، وبقيت هناك حتى الآن. ونتيجة سيطرة "قوات سوريا الديمقراطية (قسد)" على معظم محافظة الحسكة، فإن أمانات السجل المدني لمناطق عديدة في المحافظة قد تركزت في المقر المؤقت، مثل بئر الحلو الوردية والهول والعريشة ومركدة والشدادي، بالإضافة إلى رأس العين الواقعة تحت سيطرة "الجيش الوطني" التي انتقلت نهاية شهر آب 2021 من مدينة تل تمر إلى ذات المقر في فرع المؤسسة الاستهلاكية في المدينة.
بناء فرع المؤسسة الاستهلاكية الذي صار أطلالاً منذ سنوات، ما زال يخلو تماماً من أي نشاط سوى في طابقه الرابع حيث موظفو النفوس، وإلى هناك يصعد المراجعون على درج متهالك عفش الشبيحة دعاماته الجانبية، ويحتشدون بأعداد تصل في بعض الأحيان إلى 3000 شخص في مساحة لا تتجاوز 400 متر، ما يجعل تسمية "مديرية المكدوس" التي أطلقها البعض على النفوس واقعاً معاشاً.
يتحدث من تواصلت معهم عين المدينة من المراجعين، عن أنه يمكن للمراجع لإنجاز معاملته أن يعتمد على مقدمي الخدمات المنتشرين في شارع النفوس من مخاتير وسماسرة وأصحاب أكشاك تصوير وطوابع و"إخراجات قيد غير معترف بها بكلفة 2500 ل.س"، أو بإمكانه التوجه إلى محيمد الذي ينافس مخاتير القرى بكون الأسعار التي يضعها للمعاملات أقل من أسعارهم ب500 ليرة على الأقل. تعامل محيمد والعديد من الموظفين مع عملهم في النفوس بطريقة مشابهة أو منافسة لأصحاب الأكشاك في محيطها، جعل تعليقات متابعي وسائل التواصل الاجتماعي من الحسكة على خبر وصول طابعة البطاقات الشخصية نهاية 2020، غالبيتها تمنيات بأن تكون الطابعة "آية رزق".
يتجول مديرو السجلات المدنية المختلفة في الصالة أو في ساحة البناء للقاء المعارف، أما الشرطي المكلف بمهمة تأمين المبنى فيدير مجموعة من الأطفال لبيع الكمامات والطوابع، والتي يفرضها بأسعار متفاوتة تحددها هيئة ولباس المراجعين قبل دخول البناء، لكن الأخيرين يضعونها بجيوبهم فور تجاوز الباب الخارجي، لأنه لا أحد يرتدي الكمامة في الداخل، كما أن الموظفين يجبرونهم على شراء الطوابع منهم مرة أخرى.