لعبت التنسيقيات الثورية دوراً أساسياً في الحراك الشعبيّ، لكنها سرعان ما اختفت. نطالع في هذه الصفحة أسماء أبرز تنسيقيات مدينة حلب، وما لها وما عليها، وأسباب تراجعها، وإمكانية إعادة إحيائها؟

تنسيقيات المدينة

مشاعل الحرية، أزهار الحرية، أحفاد الكواكبي، نور الشهداء، ربيع الحرية، التآخي الكردية، جامعة الثورة، تجمع شباب ثورة حلب، وكذلك تنسيقيات الأحياء: حلب الجديدة، شارع النيل، الحمدانية، الميريديان والمارتيني، الجابرية، الخالدية، وغيرها؛ أسماء تجمعاتٍ ثوريةٍ عرفت بالتنسيقيات، واشتهرت في مدينة حلب التي كان من الطبيعيّ أن يأخذ فيها الحراك شكلاً مختلفاً عن القرى والبلدات التي يعرف أهلها وسكّانُها بعضهم جيداً، بخلاف المدينة التي قد لا يأمن فيها الجار جاره!

الحراك الثوريّ

شكّل عمل التنسيقيات هاجساً كبيراً للنّظام، دفعه إلى استنفار قواته وزيادة أعداد عناصر الأمن والشبيحة. وبالإضافة إلى المظاهرات التي نظّمتها والتي أرّقته، جاءت حملات التنسيقيات التوعوية أشدّ وقعاً عليه؛ كالبخّ على الجدران في الأماكن الحيوية، وإطلاق بوالين الحرية، وتوزيع الجرائد و«السيديات»، وطلاء وتلطيخ النُّصب التذكارية والبُحيرات؛ مما كان من أبرز الأعمال التي نجحت فيها التّنسيقيّات في مدينة حلب.

قد يتساءل البعض كيف يُطالَب العسكرُ بتوحيد صفوفهم الآن بينما كانت القوى الثوريّة، المتمثلة في التنسيقيات، مفرّقةً ممزّقةً منذ البداية؟ تتلخّص الإجابة في أن الحالة آنذاك كان تقتضي العمل بشكلٍ سريٍّ ضمن مجموعاتٍ صغيرةٍ متعددةٍ غير مرتبطةٍ ببعضها بشكلٍ مباشر، كي يصعُب اختراقها أو اعتقال عددٍ كبيرٍ من أفرادها بمجرد اعتقال فردٍ أو مجموعةٍ ما. ورغم الخطورة الأمنية اجتمعت التنسيقيات أكثر من مرّة، وحققت إنجازاتٍ ثوريةً تحسب لها.

هل وقعت التنسيقيات في أخطاء؟

كانت تنسيقيات جيل الشباب وليدة ثورةٍ مفاجئةٍ وغير متوقعة، ولذا كانت -في مجملها- حديثة عهدٍ بالعمل المنظم والسياسة، ولم يكن لدى الكثير من قادتها استشرافٌ للمستقبل ولا معرفةٌ بتجارب وعقبات الثورات عبر التاريخ. لكن ذلك لا يُبرّء ساحتها ولا يعفيها من أخطاء وقعت فيها، كمحاولة بعضها احتكار النشاطات الثورية، وسعيها إلى إظهار أسمائها فقط في تنافسٍ غير محمودٍ بينها، وقد ضيّعت هذه الممارسات الكثير من فرص التوحد وتصاعد الحراك. كما أن الإصرار على وضع شعار التنسيقية في مقاطع الفيديو -وهو ما لا يناسب سياسات معظم القنوات والمنصّات الإعلاميّة- قلّل من فرص الظهور والانتشار. وأسهم تفرُّد بعض المُنسّقين بالقرارات، وتهاونُهم في الاحتياطات الأمنيّة، في تشظّي التنسيقيات وتكاثرها!

بعد التحرير

عقب تحرير المدينة بأشهرٍ قليلةٍ شهدت الساحة حالة استقطابٍ سياسيٍّ وعسكريّ، ترافق مع تحدّياتٍ واستحقاقاتٍ كبيرةٍ في إدارة حلب التي خرج معظمها عن سيطرة النظام. في هذه المرحلة تراجع دور التنسيقيّات إلى أن تلاشى نهائياً، ليأخذ «الحراك الثوريّ» شكلاً جديداً لعبت فيه الولاءات الحزبيّة والأيديولوجية دوراً سلبياً.

ذابت التنسيقيّات وأفرادها في الكيانات الجديدة؛ فاتجه البعض إلى السياسة والبحث عن التمثيل والمحاصَصَات داخل المجلس الوطنيّ وغيره، وحَمَل قسمٌ آخر السّلاح، وتوجّه البعض إلى العمل الإغاثيّ، وفضّل آخرون العمل مع جمعيّات ومنظّمات المجتمع المدنيّ، فيما عكف عددٌ كبيرٌ على التخصّص في مجال الإعلام. أما في مناطق سيطرة النظام فأصيبت التنسيقيات بشللٍ تامٍّ نتيجة تشديد القبضة الأمنية وانتقال معظم أعضائها إلى المناطق المحرّرة.

يقول الناشط والصحفيّ فراس ديبة في لقاءٍ مع «عين المدينة»: «كان أداء التّنسيقيات قبل التحرير جيداً، وزاد من تصاعده انضواءُ معظمها تحت «المجلس العام لقيادة الثورة في حلب» الذي أصبحت المظاهرات أكثر حضوراً وفعاليةً بعد تشكيله. أما بعد التحرير فقد احتكر العسكرُ العمل المدنيّ في الأشهر الأولى. ورغم تعاون المجلس مع العسكر إلا أنّ التّجاوب كان سلبياً من قبل «الحُجّاج»، الذين أصرّوا على التّعامل مع كلّ الملفّات بعقلية «الحجّي» التي تعجز عن إدارة قريةٍ فضلاً عن بناء دولة!».

أهمية عودة التنسيقيات

يضيف ديبة: «بغياب التّنسيقيات فقدت الثورة ورقةً مهمةً من شأنها توحيد الحراك السلميّ وتوجيه بوصلته. ورغم عودة المظاهرات إلى ساحات المناطق المحرّرة -خلال الهدن- إلا أنّها تفتقر إلى رؤيةٍ موحّدةٍ متجددة، ولا تزال شعاراتها وأهدافها واقفةً عند عتبة 2011. بالتأكيد هناك فرصةٌ لإعادة إنتاج مفهوم التنسيقية، وهي ضروريةٌ الآن في ظل غياب الرّؤية الإستراتيجية للثورة التي أصبحت في منظور الدول وغيرها مجرّد حربٍ أهلية، وفي أحسن الأحوال صراعاً بين سلطةٍ ومعارضة!».