في زمن الانقلاب العسكريّ الترحيب بالسوريين اللاجئين ينقلب إلى عداءٍ مرير

أسماء الزهيري/ النيويورك تايمز
ترجمة مأمون حلبي

عشرات الرجال، يحملون الهراوات والسكاكين، اقتحموا جمعيةً خيريةً للاجئين السوريين، بعد الانقلاب العسكريّ في مصر والإطاحة بالرئيس مرسي. كانت رسالة المقتحمين: أيها السوريون؛ لم يعد مرحّباً بكم في مصر. "أيها السوريون؛ إنكم تشعلون البلد"، هكذا كان يصرخ المهاجمون وهم يضربون راكان أبو الخير الحمصيّ. أما ابنه الشاب، فقد تلقى ضرباً مبرحاً على رأسه وتُرك في غيبوبة.

أثناء الحرب الأهلية الدائرة في سوريا اتجه 300 ألف سوريٍّ إلى مصر. وهناك تمّ الترحيب بهم، وكان مرسي وحلفاؤه من بين المرحّبين بالسوريين والمؤيدين للثورة ضد نظام الأسد. "لقد ساندَنا الناس هنا في مصر. لقد فعل المصريون ما بوسعهم ليساعدوا السوريين"، يقول محمد طاهر، وهو سينمائيٌّ سوريّ. لكن مع تنامي الغضب ضد مرسي، ثم الإطاحة به، تمّ اعتبار السوريين حلفاء له، وجُعل منهم ومن الأجانب الآخرين أكباش فداءٍ، مع استلام العسكر للسلطة وتحذيرهم من مؤامراتٍ خارجيةٍ لزعزعة استقرار مصر، وإطلاق العنان لحملةٍ مسعورةٍ ضد الأجانب في وسائل الإعلام الإخبارية وفي الشوارع. عضو برلمانٍ سابقٌ طالب بإعدام السوريين والأجانب الآخرين. مذيعٌ تلفزيونيٌّ طالب "الرجال الحقيقيين بالعودة إلى بلدهم وحلّ مشكلاتهم هناك". العصبية القومية الصاعدة كانت مفاجِئة ومخيفة. أصبح محمد أبازيد، السوريّ من درعا، خائفاً وهو يرى منشوراتٍ يتم توزيعها: "إخوتي وأخواتي المصريين، قاتلوا الاحتلال السوريّ ودافعوا عن أعمالكم". بعض المؤيدين البارزين لحكومة الانقلاب امتدحوا جيش الأسد علناً.
بعد (العَلقة) عاد راكان الحمصي للعمل، وتعافى ابنه الذي ملأت رأسه أربعون قطبةً. لاجئون آخرون قالوا إنهم لم يواجهوا مشكلات، لكن قصصاً مثل قصة راكان جعلتهم متوترين. كثيرٌ من السوريين اختاروا قضاء وقتٍ أقلّ بين الناس أو اختاروا مغادرة مصر إلى دول جوار سوريا؛ الأردن، لبنان، تركيا، وهذا ما فاقم أزمة اللاجئين الإقليمية. آخرون يلجأون إلى الفرار بحراً إلى إيطاليا عن طريق المهرّبين. ومئاتٌ من السوريين تمّ اعتقالهم وترحيلهم. قبل الإطاحة بمرسي، كان من الصعب العثور على مقعدٍ في الرحلات الجوّية القادمة إلى القاهرة من إسطنبول وعمّان وبيروت.
أما بعد استلام حكومة الانقلاب للسلطة، فقد أصبح مطلوباً من السوريين، وبعد عقودٍ من الزمن، الحصول على تأشيرة دخول.
في أحد المباني السكنية للسوريين، استعاد مأمون الدمشقيّ عافيته من جروحٍ أصيب بها طعناً عندما هاجمه رجلٌ في باص، بعد أن طلب مأمون من الناس التوقف عن التدخين. لم يكن متأكداً من السبب من طعنه. يقول السوريون إن لهجتهم كافيةٌ لإثارة العداء ضدهم. الرجل الذي طعن مأمون اتهمه بالانتماء إلى الإخوان المسلمين. عندما وصل مترنحاً إلى الرصيف خاف عابرو السبيل من الاقتراب منه، وأخيراًُ أرشدوه إلى صيدلية. قصة مأمون شاعت بين أفراد عائلته وأقربائه. 15 عائلةً يعرفها مأمون فرّت إلى إيطاليا. وأقرباء آخرون في سوريا، كانوا يفكرون بالالتحاق به في مصر، سمعوا حكايته فقرّروا البقاء حيث هم.
تقول امرأةٌ من الغوطة، التي قُتِلَ فيها المئات بهجومٍ كيماويّ: "يرى جيراني المصريون أننا نأخذ أعمالهم، وأننا السبب في خرابهم". المرأة، التي تعيش لوحدها، غيّرت طريقة لباسها ولوّنت حديثها بالمفردات العامية المصرية لتخفي هويتها السورية.
في المساء كَنَسَ المستخدمون في أحد مقاهي مدينة 6 أكتوبر زجاج واجهة المقهى المحطّم. الأمر الذي بدأ (كخناقة) بسيطةٍ توسّع عندما حطّم عشراتٌ من البلطجية المحليين واجهة المقهى وبعض الطاولات والكراسي. أسامة، مالك المقهى، قال إن رجال الشرطة أتوا بعد ساعاتٍ ولم يكترثوا لشكواه. يقول أسامة: "كنا نتمتع بالحماية في ظلّ حكم الرئيس مرسي، وكان افتتاح المقهى أمراً سهلاً، وكانت الحكومة عازمةً على تسهيل الحياة للسوريين، أما الآن فأذهب إلى العمل وأعود إلى البيت آملاً أن لا يلحظني أحد. في دمشق كنا نعرف من هو عدوّنا، أما هنا فلسنا متأكدين؛ أهو الحكومة؟ البلطجية؟ الشرطة؟ الشعب؟".