في الرقة.. داعش تستعدّ للرحيل، وللقتال أيضاً

فاضل عيساوي

في قريةٍ من ريف الرقة الشرقيّ، وأثناء جلسةٍ دعويةٍ لداعش، قال أبو تقوى، وهو أحد شرعيّي التنظيم هناك: «نحن فرحون بالحرب القادمة. وتحالف القوى العالمية ضدّنا ما هو إلا دليلٌ على أحقيتنا بالخلافة الإسلامية». تساءل أبو تقوى في الجلسة ذاتها: «بدكم وحدة تجي تحكمكم وتسبّ ربكم؟ (قاصداً المقاتلات في صفوف القوات الكردية) والشيوخ ماشيين وراها مثل الخرفان (أي شيوخ العشائر العربية)؟ وتقلّه: يا عربي! بدكم حدا يحكمكم مشان يرخص لكم الأسعار؟ وما تعرفون أنه بترخيص الأسعار راحت عزّتكم. تدوّرون الدنيا وتنسون عزّ الآخرة». لا يعبّر أبو تقوى عن رأيه الشخصيّ، بل عن احتمالٍ واردٍ في أذهان الدواعش عن مصير الرقة أمام الهجوم المحتمل لما يُعرف بـ«قوات سوريا الديمقراطية». وحسب ما قال مصدرٌ مطلعٌ على أحوال التنظيم من الرقة فقد أحسّ بعض مسؤولي داعش مبكراً بالخطر، وحاولوا التملص بطرقٍ شتى أبرزها طلبات الانتقال إلى العراق، وخاصّةً من العراقيين، مثلما فعل أبو عمر قارداش، وهو الاسم الأخير الذي اتخذه القائد الأهم بين قادة داعش العراقيين في الرقة، والذي تفوق مكانته في صفوف التنظيم مكانة أيّ قائدٍ آخر في سورية، وحين لم يُلبَّ طلبُه أرسل عائلته إلى الموصل. وكذلك فعل مراقب البغدادي الخاصّ في سورية، الملقب «عين البغدادي»، وقادةٌ آخرون، مما يؤكد حالة اليأس المتزايدة لدى المستويات الأعلى في التنظيم. وبالنظر إلى المستقبل المظلم الذي ينتظر هؤلاء أينما ذهبوا، فلا بدّ أنهم يفضلون أن تكون معركتهم الأخيرة في موطنهم على أن يقتلوا في الرقة. وبالتزامن مع مظاهر الهزيمة القادمة لداعش في الرقة، ووصايا شرعيّي التنظيم ودعاته للأهالي بضرورة التمسك بالدين في حال وقعت المدينة في يد «ملاحدة الأكراد»؛ يعلن الدواعش عزمهم على التمسك بها والدفاع عنها، ويتوعدون المهاجمين بأن الانسحاب من مدينة تل أبيض، قبل عامٍ تقريباً، لن يتكرّر في الرقة، وبأن خروج معقل الخلافة عن سيطرة التنظيم هو محض خيال. وفي الآونة الأخيرة أطلقت داعش في «ولاية الرقة» حملات تجنيدٍ جديدةٍ لحضّ الشبان والمراهقين والأطفال، وكذلك الفئات العمرية الأخرى، على الانضمام إلى التنظيم. ووصل الأمر، مع تآكل المسافات التي تفصل المدينة عن خطوط الاشتباك في الريف الشماليّ، إلى إطلاق دعوات النفير العام عبر مكبّرات صوت المساجد. لا تملك داعش الكثير من وسائل المقاومة أمام الحشود المدعومة بطائراتٍ وقوّاتٍ أمريكيةٍ خاصّة، سوى الانتحاريين والسيارات المفخخة وبعض الحيل البائسة مثل تغطية الشوارع من أعلى البيوت لحجب الرؤية من السماء، والحؤول دون استهداف قادة التنظيم وسياراته. إضافةً إلى إغلاق جسر المغلة على نهر الفرات بين محافظتي الرقة ودير الزور، وإغلاق الجسر الرئيسيّ جنوب المدينة بحجّة الصيانة، لتفخيخه أو لمنع السكان من النزوح لاتخاذهم لاحقاً كدروعٍ بشرية، كما يقول كثيرون. تتضاءل الخيارات أمام الناس مع الأفعال والأقوال المتناقضة التي تصدر عن الدواعش. وبين طرفي الصراع لا يبدو أن أحداً يبالي بأحوالهم وإراداتهم ومصائرهم. ولن يفلح بالتأكيد الطابع الزائف لديمقراطية القوات المهاجمة في طمأنتهم، ولا انتماء أعدادٍ من المقاتلين العرب إليها، كثيرةً أكانت هذه الأعداد أم قليلة. وحتى لو انحاز سكان الرقة إلى المهاجمين فإن هذا لن يغيّر من الطبيعة الفاشيّة لحزب PYD أو مشتقاته العسكرية ذات الأسماء البرّاقة، تؤكد ذلك التجارب القريبة لمدنٍ وبلداتٍ وقرىً وقعت تحت سيطرة هذا الحزب، عانى ويعاني أهلها اليوم من الاضطهاد على أساسٍ عرقيّ. بل إن مجموعاتٍ عربيةً تحالفت مع PYD وقاتلت داعش إلى جانبه لمدّةٍ طويلة، مثل لواء «ثوار الرقة»، عانت هي الأخرى من الاضطهاد والسلوك العنصريّ والإكراه إلى درجةٍ أُجبر فيها «أبو عيسى»، قائد هذا اللواء، على الانضمام إلى «قوات سوريا الديمقراطية» وحلّ جيش العشائر الذي أسّسه لقتال داعش ولحفظ كرامة السكان العرب أمام الممارسات المهينة للقوات الكردية. بتجاهلها المعطيات المعقدة لمعركة الرقة، تتحمل الحكومة الأمريكية كلّ المسؤولية عما سيحدث، وما سيتولد من ردات فعل، في حال خرجت الرقة من احتلال داعش ووقعت في احتلالٍ جديد.