في إدلب..
متاجر المواد الغذائية مهنة العاطلين عن العمل

من مدينة إدلب - خاص عين المدينة

إدلب محافظة فاعلة، ينتشر أبناؤها في كل المحافظات السورية لأنهم مصدر كبير لليد العاملة والحرفية, إضافة إلى تمتع العديد منهم بمؤهلات وخبرات خاصة, وبينهم أعداد كبيرة من الكفاءات العلمية التي كانت تشغل العديد من المناصب الحساسة في الدولة، إذ إن نسبة كبيرة من الموظفين الحكوميين هم من أبناء هذه المحافظة.

يصح هذا الكلام قبل اندلاع الثورة، أما اليوم فالوضع مختلف تماماً, فأغلب هؤلاء الموظفين والعمال والحرفيين عادوا إلى محافظتهم خوفاً من الاعتقال التعسفي بعدما أصبح الإدلبي «مصدراً للشكوك» في المناطق التي يفرض النظام السوري سيطرته عليها, وكثيراً ما يشعر بعدم الترحيب, الأمر الذي أدى إلى عودة معظمهم إلى ربوع المحافظة الخضراء. ونتجت عن هذا الأمر حالة كبيرة من البطالة ونقص فرص العمل, مما دفعهم إلى التفكير في البحث عن أعمال بديلة.

صعوبة تأمين فرص العمل

كثيراً ما يضطر الموظف المنشق عن النظام إلى اللجوء إلى مهن لم يعتد عليها، كتقطيع الحجارة أو جمع الحطب أو أعمال البناء والإنشاءات أو النجارة والحدادة وبعض الحرف الدقيقة. ويظل يعاني من صعوبة التأقلم مع هذه الأعمال لأنه موظف مكتبي سابق, ولكنه مضطر إلى مزاولتها لتأمين قوت عائلته اليومي. ولكن الملاحظ على نطاق واسع لجوء كثير من هؤلاء الموظفين السابقين إلى إقامة مشاريع ربحية صغيرة، كفتح متجر لبيع المواد الغذائية, لأن هذه المهنة لا تحتاج إلى مجهود كبير، إضافة إلى سهولة مزاولتها. ولكن الملاحظ في الآونة الأخيرة كثرة انتشار هذه المحال بكثافة شديدة إلى درجة نستطيع فيها القول إن «الدكان صار ملاصقاً للدكان», الأمر الذي خلق مشاكل جديدة.

أبو منير (38 عاماً)، موظف سابق في حلب, يزاول هذه المهنة بعد عودته إلى مدينته حارم في ريف إدلب الشمالي، ويتحدث لـ«عين المدينة» عن هذه النقطة بالقول: «أنا، كموظف سابق, كنت أعمل في وظيفة إدارية مصنفة ضمن الأعمال المكتبية, وأعمل اليوم كبائع في محل لتجارة المواد الغذائية. فبعد عودتي من حلب إلى حارم كان لا بد لي من البحث عن عمل بديل، فعملت أولاً في مجال قطع الأخشاب ونقلها, ولكني عانيت الأمرّين من هذا العمل المجهد, ولذلك لجأت إلى فتح هذا المشروع الصغير كي أوفر على نفسي الجهد الكبير والتعب الشديد جراء الأعمال الثقيلة, ولكن المفاجأة كانت في ضعف مردود هذه المهنة الخفيفة».

مشاكل ظاهرة بيع المواد الغذائية

جاء لجوء الأهالي إلى مزاولة هذه المهنة نتيجة أسباب أشرنا إليها في البداية, ولكن يجب تسليط الضوء على المشاكل التي ولدتها هذه الظاهرة, والتي تأتي في مقدمتها كثرة العرض وقلة الطلب. فعدد المحال التجارية صار كبيراً جداً ولا يتناسب مع عدد السكان في أي مدينة أو بلدة في المحافظة. وهذا ما حدثنا به عبد الكريم ابن مدينة سلقين: «أنهيت مشروعي الصغير هذا. في البداية كان عدد المحال التجارية متناسباً مع عدد السكان, ولذلك كان الدخل اليومي لهذه المشاريع جيداً, أما اليوم فالدكاكين منتشرة بشكل كبير, والعرض كثير والطلب محدود، لذلك قمت بإلغاء مشروعي الذي بات عبئاً على كاهلي. حقاً هي «شغلة اللي ما عندو شغلة».

ولكن رغم هذه المشكلة التي تولدت مع انتشار هذه الظاهرة في المحافظة الخضراء, إلا أن العديدين ما زلوا مصرين على مزاولتها نظراً لضعف فرص العمل، على مبدأ المثل الشعبي الشهير: الرمد أهون من العمى.

الباعة الجوالون في الطرقات

تشهد أسواق مدينة إدلب ازدحاماً شديداً، وبالأخص بعد توافد المهجرين قسراً من مناطق مختلفة في سورية إليها. فأينما مررت تجد الباعة الجوالين هنا وهناك، وعلى قوارع الطرقات في ما يسمى «البسطة» التي تباع عليها مختلف البضائع، وفي مقدمتها المواد الغذائية والمعلبات، فيتوافد الناس لشرائها نظراً لانخفاض سعرها عن مثيلاتها في المحال التجارية، لأنها -وبحسب ما صرح أحدهم- من الإعانات الإغاثية التي ترسل إلى الشعب السوري، ولكنها تصل إلى الأسواق بطريقة أو بأخرى.