عصام زهر الدين، وجدّه، وابنه... في سيرة عائلةٍ مهزومة

لن يتاح لعصام زهر الدين أن يكتب مذكراته كما فعل جدّه اللواء عبد الكريم، رئيس هيئة أركان الجيش السوريّ الأسبق خلال عهد الانفصال بين مصر وسوريا (1963-1961). لا تبدو سيرة هذا الجدّ مثيرةً للاهتمام قبل تبوّئه قيادة أركان الجيش. فهو، بحسب شهاداتٍ مكتوبةٍ لبعض معاصريه، مجرّد ضابطٍ ضعيفٍ أمضى حياته العسكرية - قبل الانفصال - في إدارةٍ غير مؤثرةٍ في مجريات الأحداث، هي إدارة الإمداد والتموين، مما هيأ له، إضافةً إلى صفاته الشخصية المطمئنة لرؤسائه، ترقياتٍ روتينيةٍ حتى وصل إلى رتبة لواء. وبهذه الرتبة شهد عبد الكريم زهر الدين انقلاب العام 1961 الذي أدّى إلى الانفصال، بقيادة المقدّم الدمشقيّ عبد الكريم النحلاوي ومن معه من ضباطٍ برتبٍ متوسطةٍ وصغيرة. وخلال اجتماعٍ عاجلٍ لقادة الانقلاب حضره زهر الدين بمحض الصدفة ودون دعوةٍ مسبقة، وقع اختيار النحلاوي عليه ليعيّنه قائداً للجيش السوريّ، نظراً لما يتمتع به الرجل من طاعةٍ عمياء وقلة مواهبٍ وانعدام المطامح والتأثير، وغير ذلك من صفاتٍ لن تجعل منه خطراً على مشغليه من الضباط الشبان، ولن تؤهله حتماً ليكون زعيماً في جيشٍ مراهقٍ يمكن لأيّ ضابطٍ متوسط الذكاء فيه أن يكون قائد انقلاب. كان ظنّ النحلاوي في محله، فقد أخلص له زهر الدين الى أن وقع انقلابٌ آخر هو انقلاب الضباط البعثيين بنسخته الأولى في عام 1963. وبعد سنواتٍ قليلة، ومن منفاه في لبنان، كتب زهر الدين مذكراته عن الانفصال، والتي لم تخلُ من المغالطات والترّهات لكنها خلت من أي ذكرٍ لابن شقيقته الملازم أول معزّى، وصديق معزّى الجاســــوس الإســــرائيليّ الشــــهير إيلي كوهين، الذي اســــــتثمر علاقته المتينة بابن شقيقة رئيس الأركان ليؤسّس لشبكة علاقاتٍ واسعةٍ في الجيش والحكومة والمجتمع. وبعد انكشاف أمره حكم بالإعدام ونال معزّى عقوبته بالسجن لخمس سنوات.

العائلة في العهد الأسديّ

بعفوٍ من حافظ الأسد، قائد الانقلاب الأخير في تاريخ البلاد السياسيّ، والذي لم يعفُ قطّ عمّن يمكن أن يشكل خطراً ولو ضئيلاً عليه؛ عاد عبد الكريم زهر الدين إلى سوريا ليعيش أربعة عقودٍ تقريباً في قريته الصورة الكبيرة في ريف السويداء. سنواتٌ كثيرةٌ جداً لم يتذكره خلالها أحدٌ إلى يوم وفاته في عام 2009، حين رفع حفيده العقيد – آنذاك - عصام شاربيه، ووقف ببدلته العسكرية في "الأجر" ليلقي كلمة آل الفقيد مفاخراً بجدّه و"مواقفه الوطنية"، ومتفاخراً بولاء العائلة وإخلاصها لآل الأسد. وبعد سنتين من ذلك التاريخ جاءت الفرصة للعميد المرقّى حديثاً ليثبت هذا الولاء، وليكون شيئاً مذكوراَ في طبقةٍ عسكريةٍ يحكمها ضباطٌ من طائفةٍ أخرى لم تتوان عن الإساءة لطائفته هو. لكن هذه الإساءة لم تدفع به إلا إلى المزيد من الطاعة، كما كان الجدّ لمشغليه، طاعة حملته ليقود اللواء 105 في الحرس الجمهوريّ من مجزرةٍ إلى أخرى في حمص وريف دمشق ودير الزور. ليصبح بهذه المجازر نجماً يتباهى به – كما يتمنى - أبناء جلدته، ويتباهى به كذلك ابنه البكر يعرب، الذي ولد في مرحــلة ضعفٍ في ســــيرة العـــائلة، فكان مـــجرّد ابنٍ شكاكٍ ومضـــطربٍ لضابطٍ هامشيّ؛ ابنٍ متعثرٍ يحلم أن يبرز في عالم الفن والتمـــثيل الـــذي يميــــل إليه. لـــكن اندلاع الثورة قاده إلى عالم الجريمة والسلاح، فانتسب إلى ميليشيات الشبّيحة في ريف دمشق يقاتل معها، وبشكلٍ اختياريّ، في المعارك التي يريد. تتخللها زياراتٌ إلى دير الزور حيث يقود أبوه عصام قوّات الأسد هناك. يلتقط يعرب خلال هذه الزيارات صوراً تذكارية وهو يصوّب قناصته بحركةٍ استعراضيةٍ إلى هدفٍ بعيد، يتباهى بها أمام أصدقائه المتكاثرين، ويتباهى أيضاً بسجايا "الوالد" التي يتناقلها ما تبقى من مؤيدي النظام بدير الزور، من شجاعته وطيبة قلبه وتواضعه وعدله وتقرّبه من الفقراء ودفاعه عنهم وغير ذلك، ليجمّل بهذه الشائعات أو التصرفات المفتعلة شيئاً من الوجه القبيح لمجرم الحرب عصام زهر الدين. هذه العائلة، وبقراءةٍ سريعةٍ في تاريخها، لم تنجح يوماً في اتخاذ قرارٍ صائب. فهي تتسرّع دوماً وتتبع القويّ الذي لا يلبث أن يُهزم في النهاية وتُهزم هي الأخرى معه.