طفلةٌ صمّاء لا حول لها في مدينةٍ سوريةٍ واقعةٍ تحت حصارٍ لا يرحم

هيو نايلور
الواشنطن بوست/ 20 حزيران
ترجمة مأمون حلبي

تهدر الطائرات في السماء، وتنفجر القنابل، ويعلو صراخ الأهالي الخائفين؛ لكنّ مرام لحّام، 7 أعوام، تكافح من أجل أن تسمع أصوات الحرب الأهلية في سوريا.

مرام آخذةٌ في أن تصبح صمّاء تدريجياً، وحصار القوات الحكومية لمدينة داريا، مسقط رأسها، منعها من تلقي الرعاية الطبية، ومما يكفي من الطعام. إنها عاجزةٌ عن أن يكون لديها أي شيءٍ يشبه الحياة العادية. «لا يستطيع المرء أن يتخيل مدى صعوبة مشاهدة هذا الأمر يحدث لابنته وهو غير قادرٍ على فعل أيّ شيءٍ تجاه ذلك»، قالت فاطمة لحّام، أم مرام.

داريا، إحدى ضواحي العاصمة السورية، محاصرةٌ منذ 2012 حصاراً دام أكثر مما في أيّ منطقةٍ أخرى في سوريا. في الأسابيع الأخيرة بدا أنّ الضغط الدبلوماسيّ يجبر الحكومة على أن تسمح بشكلٍ مؤقتٍ لقوافل المساعدات المدعومة أممياً بأن تُدخِل إمداداتٍ محدودةً إلى داريا. لكنّ الحصار تواصل تقريباً مباشرةً بعد وصول المساعدات، والقوات الموالية لبشار الأسد كثّفت الهجمات، مستعملةً البراميل المدمّرة، وفقاً لأهالي المدينة. عجزُ الأمم المتحدة عن إجبار الأسد على السماح بدخول مساعداتٍ كافيةٍ إلى هذه المناطق سببٌ أساسيٌّ في انهيار محادثات السلام بين الحكومة والمعارضة في جنيف هذا العام. وينتقد الكثيرون الأمم المتحدة لعدم دفعها الحكومة بشكلٍ أقوى لأن توقف حالات الحصار. يقول جيمس سادري، مدير الحملة السورية: «من المدهش أن المجتمع الدوليّ قد ضخّ مليارات الدولارات من المساعدات إلى سوريا عبر حكومة دمشق، لكنه لا يستطيع أن يقنع هذه الحكومة أن تفتح الطريق إلى داريا التي تبعد بضع دقائق فقط عن العاصمة». أما مسؤولو الأمم المتحدة فيقولون إنّ عليهم أن يعملوا مع معظم أطراف النزاع المعقد لكي يقدموا المساعدات بأمانٍ وبشكلٍ فعال.

أثناء الأيام الأولى للثورة ضد الأسد أقام المحتجون في داريا اعتصاماتٍ لاعنفيةً جذبت أعداداً كبيرةً من الناس وألهمت الكثيرين. لكنّ الحكومة ردت على ذلك بطريقةٍ عنيفة، فاعتقلت وقتلت المحتجين وأجبرت عشرات آلاف الناس على الرحيل مع تزايد أعداد القتلى. رفضُ داريا المستمرّ أن تخضع للأسد حوّل المدينة إلى رمزٍ للتحدي بالنسبة إلى الكثير من المعارضين. تقول الحكومة إن متمردي داريا إرهابيون ومتطرفون إسلاميون، أما الأهالي فيقولون إنهم مجرّد رجالٍ محليين يدافعون عن ديارهم. وبسبب قربها من العاصمة ومن قاعدةٍ جوية، فإنّ للمدينة أهميةً استراتيجيةً بالنسبة إلى قوات الأسد. حافظ أهالي داريا، البالغ عددهم حالياً 8000 شخص، على بقائهم على امتداد أيام الحصار بجني المحاصيل التي يزرعونها، وتهريب الأدوية والأشياء الأخرى، وإذابة زجاجات البلاستيك لإنتاج وقودٍ محليّ الصنع من أجل مولدات الطاقة. يقول محمد شحادة، الذي يعمل في المجلس المحليّ لداريا: «يوجد الكثير من البؤس هنا، لكن الناس مع ذلك يستمرّون في العيش بطريقةٍ أو بأخرى».

تحدثت عائلة مرام عبر السكايب إلى الواشنطن بوست. قالت الأم إن ابنتها تعاني من نقص الوزن. فهي، بالإضافة إلى إخوتها وأخواتها الستة، تأكل عموماً وجبةً أو وجبتين في اليوم. تتكون الوجبة من شوربةٍ محضّرةٍ من البقدونس المزروع في المنزل ومن العشب المسلوق. آخر مرّةٍ أكلوا فيها لحماً كانت قبل شهرين، بعد أن قتلت قذيفةٌ حكوميةٌ نعجتين في منطقتهم. في الآونة الأخيرة أخذ يفزعها صمم مرام المتفاقم. معظم الأطباء في داريا هربوا قبل وقتٍ طويل، بمن فيهم الأطباء الاختصاصيون. عندما يسمعون صوت الطائرات تفرُّ العائلة إلى الملاجئ. لكنّ مرام «بكل بساطة، لا تستطيع سماع قدوم الطائرات». قبل عامين دمّرت قذيفةٌ جزءاً من منزلهم، فأرغمتهم على الانتقال إلى شقةٍ مهجورة. حدث هذا قبل وقتٍ قصيرٍ من قتل قناصٍ لعلاء، ابن زوج فاطمة. في أواخر 2014، قتل قناصٌ آخر زوجها، والد مرام، بينما كان يساعد المتمردين على بناء حائطٍ يحمي الناس من إطلاق النار. تقول فاطمة: «ما تزال مرام تستيقظ أحياناً وهي سعيدة، وتقول «شاهدت أبي في المنام». تلقّت مرام أجهزة سمعٍ من المنشأة الطبية الوحيدة في المدينة، لكن البطاريات التي تشحن هذه الأجهزة يصعب تأمينها. حالياً، تفعل فاطمة ما بوسعها لتزوّد مرام بإحساسٍ من طبيعية الأمور. تشجعها على الرسم. «إنها ترسم صوراً لعائلةٍ تفرّ من القنابل، وأثناء فرارها هناك فتاةٌ صغيرةٌ لا تهرب لأنها لا تستطيع أن تسمع. من الصعب ألا يبكي المرء عندما يرى هذه الصور».