- الرئيسية
- مقالات
- رادار المدينة
صفحة (متحف دير الزور الفوتوغرافي) على فيسبوك.. صناعة تاريخ بصري لتعويض تدمير المدينة مرتين
يعي أهالي دير الزور ضعف المادة التاريخية التي بين أيديهم عن محافظتهم، ما جعلهم ربما حريصين على تلقين وتلقف تاريخها الشفوي عبر الأجيال. لكن شعور الفقد صار يتسع، والحرص على التاريخ أخذ أشكالاً جديدة تشمل التاريخ البصري للناس والعمران، معوضاً المكان الذي فقد على مستوى التواصل، أو على مستوى الوجود مرتين؛ الأولى على يد البعث مع إزالة "الدير العتيق" نهاية الستينات، والثانية على يد الأسديين بتدمير المدينة في العقد الماضي، إضافة إلى تهجير أهلها. في هذا السياق تنشط صفحة متحف دير الزور الفوتوغرافي على فيسبوك، التطبيق الذي يحظى بوجود سوري كبير، ويتيح للعديد من السوريين المهتمين بتراث مدنهم العمراني والبشري أن يشاركوا هذا الاهتمام مع الآخرين.
ينتمي مدير الصفحة بلال عصمان بيك لعائلة تمثل جزءاً من تاريخ مدينة ديرالزور المرتبط تأسيساً بوجود الدولة العثمانية. وكما يختزن هذا الجزء قصصاً ولمحات اجتماعية مكثفة عن تاريخ دير الزور، يمتلك بلال أرشيفاً ضخماً من الصور النادرة التي التقطتها لناس دير الزور وعمرانها وطبيعتها عدسات محلية وعدسات لمستشرقين ومؤرخين وباحثين من مختلف مناطق العالم.
عن شغفه في البحث عن الوثائق والصور القديمة لدير الزور، قال البيك في حديث مع "عين المدينة" أن الفكرة بدأت تظهر بعد نزوحه إلى العاصمة دمشق في العام 2012، مع بداية انتشار استخدام "فيسبوك" محلياً، ومشاهدته لصفحات عدة تنشر صوراً لمختلف المدن السورية، في حين أنه لم يلحظ سوى بعض الصور النادرة وغير الدقيقة عن ديرالزور، ما جعله يهتم بهذا الجانب بدايةً بجمع الصور التي تخص الحي الذي نشأ وعاش به عارضاً إياها في صفحته الأولى "حي الحويقة" التي نشرت ما يربو على 10 آلاف صورة.
وأضاف أنه بعد لجوئه إلى تركيا بدأ يهتم بجمع الصور القديمة والتاريخية لدير الزور بغاية جمعها والاحتفاظ بها دون عرضها، ومن هنا تولد لديه الشغف بجمع وامتلاك كل ما يخص أرشيف محافظة ديرالزور مؤدياً ذلك بكل "جدية وجهد".
وبعد جمعه لأرشيف كبير وشامل لصور فوتوغرافية تخص مدينة ديرالزور وكامل المحافظة، بدأ البيك يفكر بإنشاء صفحة تعرض هذا المخزون الفوتوغرافي، بعد أن كان ينشرها في حسابه الشخصي وحساب "الباحث" عبد العزيز الأحمد بيك، فقرر إنشاء صفحة "متحف دير الزور الفوتوغرافي" للدلالة على ما تحتويه من منشورات، وليتسنى للجميع مشاهدتها والتعرف على معالم المحافظة التاريخية وجزءاً من تراثها وتقاليد أهلها.
واستطرد قائلاً "استمدت فكرة الاسم من صفحة المتحف الفوتوغرافي السوري وصفحات أخرى تحمل ذات الاسم لباقي المدن السورية. أنشأتها نهاية العام 2019، ونشرت فيها أرشيفي الذي قمت بجمعه طيلة الفترات السابقة، ليقترب عدد متابعيها اليوم من الأحد عشر ألف متابع مهتم بالتاريخ والتراث المدون ينحدرون من كافة المناطق السورية".
وعن كمية الجهد المبذول، أكد البيك أن العمل حمل الكثير من الصعوبات، مبرراً ذلك بعدم معرفته المسبقة بمنهجية البحث في هذا المجال وحداثة ولوجه إلى المواقع الأجنبية والعالمية المهتمة به، حيث استعان ببعض المهتمين للمساعدة في البحث والوصول الى أرشيفات ومواقع الصور، وراسل مشرفي المواقع والصفحات العامة والمجموعات المعنية بنشر الصور القديمة؛ ومن جهة أخرى تتبع أسماء الرحالة والمستشرقين الذين مروا بالمدينة وسعى للحصول على أرشيفات صورهم، مشيراً إلى أنه دائم البحث عن الصور حتى من خلال الحسابات الفردية التي يتواصل مع أصحابها ويطلب منهم أسماء المصادر الأصلية للصور، ليقوم باستخراجها والتأكد منها وأرشفتها، مضيفاً أن العمل استمر على هذه الوتيرة طيلة عامين للوصول إلى الصور والأرشيف الضخم الذي يملكه.
وفيما يخص آلية التأكد والتحقق من الصور، أشار البيك إلى أنه يعتمد بشكل أساسي على أرشيف الرحالة والمستشرقين وبعض المصورين المحليين الموثوقين، بالإضافة إلى المواقع المختصة في هذا المجال. وتابع أنه يلجأ إلى مطابقة الصور المتحصل عليها مع صور أخرى مشابهة أو أن يتحقق منها عن طريق الصور الجوية في حال كانت غير واضحة المعالم أو مشكوك بصحتها، وشدد على أنه لا يقوم بنشر أي منها قبل التحقق، في ظل تشابه ملامح التاريخ الاجتماعي والعمراني لدير الزور مع ملامح مدن عراقية.
ولفت البيك إلى أنه دائم السعي وراء تطوير عمل الصفحة من حيث الاهتمام بدقة الصور التي ينشرها وإيصال الصورة إلى المهتمين بالتراث والتاريخ، مؤكداً أنه بصدد العمل على إنشاء موقع ويب إن أتيح له هذا الأمر.
وتطرق إلى أهمية الوصول إلى أرشيف الصور العالمية كالفرنسي والبريطاني والألماني، لما تحتويه هذه الأرشيفات من مخزون كبير لبلادنا، منوهاً إلى أن ذلك يتطلب الاستعانة بباحثين وآثاريين، مضيفاً أنه إلى هذا اليوم "لم يشاركني أحد إطلاقاً في هذا المجال، إن كان من جانب البحث أو الأرشفة، باستثناء شخصين قاما بتزويدي بموقعين لصور رحالة".
وختم البيك قائلاً "دُفعت للمضي بهذا الطريق -والذي أجد نفسي الآن متخصصاً فيه- بعد الذي لاحظته من جهل وقلة معرفة بتاريخ مدينتنا ومحافظتنا، تتقاسمه بعض الأجيال الناشئة في المحافظة، خاصة بعد التدمير الذي أُلحق بالمدينتين القديمة والجديدة، وبعد النزوح واللجوء الجبريّين. لم يعد لنا بها سوى هذه الذكريات والصور التي نسعى لتوثيقها للأجيال القادمة، ليتعرفوا على دير الزور كما كانت وليس ما آلت إليه؛ مدينة الآباء والأجداد وملاعب الطفولة والذكريات الجميلة التي لا تفارقنا أبداً، كما كل الأشياء التي تفرض علينا التعلق بها، كنخوة أهلها وطيبتهم ونهر الفرات وشواطئه وذكرياته.. عسى أن يأتي اليوم الذي نعود به أدراجنا".
ولد البيك في مدينة ديرالزور في العام 1994، ونشأ في حي "الحويقة" الواقع بين نهر الفرات وفرعه الصغير، في منزل الجد عصمان البيك الشخصية الديرية المعروفة محلياً بمناقبها، إضافة إلى صفات جسمانية حيكت حولها بعض المرويات الشعبية، ويطل منزله على الفرع الصغير لنهر الفرات ويقابل الجسر العتيق (العيور).
ويستكمل بلال دراسته الجامعية في مدينة إسطنبول حيث لجأ، بعد أن أجبرته الظروف على ترك جامعته في دمشق التي نزح إليها في العام 2012.