زواج الحرب وطلاقه.. أرقام وحكايا

خواتم الخطوبة والزواج التي نُزعِت من أصابع القتلى في الحرب العالمية

تقرير دائرة النفوس بدمشق بات كـ"غراب البين" في نظر السوريين، فبعد إصدارها مؤخراً قائمة بأسماء معتقلين استشهدوا تحت التعذيب، تعاود اليوم دورها في الإفصاح عن تقريرٍ، بدا تشاؤمياً لدى البعض، يكشف عن وجود 450 ألف فتاة عزباء تجاوزن الـ30 عاماً في سوريا، في الوقت الذي أفادت شبكات محلية موالية للنظام، نقلاً عن دائرة النفوس في مدينة طرطوس -ذات الأغلبية العلوية-، أن 140 ألف عزباء في المدينة وحدها ممن تجاوزن سن الـ32، أي ما يعادل نسبتهن الـ 31%.

جازة انحسبت عليّ

"بتدينيني أجرة صالة العرس؟" من هنا ابتدأت رهف (28 عاماً) حكاية زواجها الثاني، بعد خلاصها من "جازة انحسبت عليها"، فشاء القدر أن تتزوج لـ 13 يوم فقط، وبعيد اختفائه القسري لدى النظام تحددت جغرافية "العريس المفقود" بعد 6 أشهر على الحادثة، يقبع حتى اللحظة في سجن عدرا قرب دمشق والتهمة "جنحة"، لكن رفض عائلته الخضوع لبازارات مالية اعتاد النظام ممارستها مع ذوي المعتقلين والموقوفين للخدمة الإلزامية، أدى بالتهمة أن ترتقي إلى "جناية!".

تكمل: "آثرت البقاء في انتظار زوجي، لكن لا فائدة من انتظار اللاشيء، فكانت المحكمة وجهتي الأخيرة، والمجتمع مابيرحم، وها أنا أتحضر لزواج آخر".

يبدو أن مصطلح "زواج الأزمات" أصبح معتمداً في الأبحاث الاجتماعية انطلاقاً من الحالة السورية، والتغيير الذي أحدثته مفرزات الحرب في الإحصائيات السورية المتغيرة بفعل الديمغرافية المتنقلة داخل البلاد؛ حيث كشفت أمانة الشعبة الثانية بحلب مؤخراً (أمانة السجل المدني) في تقرير لها عن وجود 267 دعوى زواج وطلاق في الأتارب (ريف حلب)، و1545 حالة زواج في حلب؛ في حين سجلت حالات الطلاق 53% مقابل 47% حالات تثيبت الزواج، وحسب كلام جمعة رزوق مدير عام الشعبة: "مقابل كل 10 حالات زواج هناك 13 حالة طلاق"، إذ سجلت تل رفعت 312 دعوى، تليها محكمة القاسمية بـ260 حالة.

الطريق يبدأ من الحمام

"أنا حامل!... مابقدر أنتظر" يعلو صوت شيرين.ق 26 عاماً فوق تنمر العسكري التركي الذي رفض دخولها الحمام، بعيد إلقاء الجندرما القبض عليها برفقة زوجها وسوريين، تجمعوا في خربة الجوز السورية تحضراً لاجتياز الحدود، فكان "الطريق إلى تركيا يبدأ من الحمام" حسب قولها، "لا أدري من أين أتت بي وطليقي طاقة تدفعنا للركض حاملين ابنتينا، حفاة بفعل طين الشتاء الذي أبقانا دون أحذية".

تكمل قصتها همساً خوفاً من "زعل الأم"، التي وصل زواجها هي الأخرى قبيل الحرب إلى طريق مسدود، فأصرت على تزويج ابنتها في 2008 قبيل الطلاق، خشية أن يلحق بابنتها عبارة "أمها مطلقة"، فتكون سبباً في "قطع النصيب" الذي انتهى في اسطنبول، لتحظى بعد عام بعقد قران جديد.

كانت دعوة بعيد دعوة القاضي الشرعي الأول بدمشق (محمود معراوي) إلى تكرار الزواج في 2015 موضع تهكم على المواقع الاجتماعية، لكن الزيجات المسجلة في المحاكم الشرعية، التابعة لمدينة دمشق فقط، وصلت إلى 30% في 2015 مقابل 5% في عام 2010، في الوقت الذي وصلت فيه نسبة الإناث مقابل الذكور إلى أكثر من 65%.

مفرزات الحرب السورية باتت تفرض نفسها في أبحاث اجتماعية كان آخرها دراسة انتهى إليها مركز المستقبل للأبحاث في 2017 تلخص أسباب تعدد الزواج، والمتمثلة في التعويض عن خسارات بشرية، خاصةً بعض التغير الديمغرافي الذي عايشته المنطقة جراء النزوح القسري، فضلاً عن حل مشكلات العنوسة والطلاق وفقدان الزوج جراء الاعتقال أو "السحب عسكر".

وعليه فإن منشورات المحابس، والورود يليها تعليق (الله عوضك بالأحسن)، أضحت مشهداً مألوفاً لدى السوريين على الشبكات الاجتماعية تفتح صفحة زواج جديد؛ أو إعلان طرقي يشهر عن عرس جماعي برعاية إحدى شركات الاتصال التابعة للنظام، دون الاكتراث بزيجات سابقة خاضها العروسان، المهم أن "الله عوضك بالأحسن".