زلزال آخر يكرس المزيد من الخوف والتكيف والفشل السوري

مقبرة جماعية لضحايا الزلزال في الشمال السوري

بالرغم من توسط قوة زلزال أنطاكية الذي طاولت فاعليته الشمال والساحل السوري، إلا أن تفاصيله وتداعياته على الصعيد المجتمعي كانت أكبر. فالزلزال الذي تجاوز 6 ريختر بقليل أحدث هزة عاصفة في النفوس، وبين زلزلة المنازل والمباني الطابقية كانت الركب تتقصف تحت حركة الأرض الهائجة.

ومع كل هزة جديدة تضرب المنطقة يمكن العثور على جديد ما يعصف بالسوريين في منطقتي السيطرة للمعارضة والنظام. الزلزال الجديد سجل وبشكل غير مسبوق عشرات الإصابات الناجمة عن نوبات الهلع التي أدت إلى لجوء بعض سكان الأبنية الطابقية إلى القفز من النوافذ والفرندات تحسباً للنجاة مع بعض الإصابات وهرباً من الموت هرساً أو رضاً أو خنقاً تحت الأنقاض. الإحصائية الأخيرة الصادرة عن الدفاع المدني (الخوذ البيضاء) تؤكد حدوث 190 إصابة جميعها نتيجة الهلع وقفز البعض من الأبنية، إضافة إلى العديد من حالات الاختناق والإغماء.

مدن الساحل السوري التي تقع تحت سلطة النظام سجلت وفيات وإصابات من هذا النوع، وينقل الإعلام الموالي عن رئيس الطبابة الشرعية بـ طرطوس وفاة الطفلة نور داود في صافيتا بسبب إصابتها بصدمة عصبية أدت إلى توقف قلبها نتيجة الخوف من الهزة، وإصابة العديد من المواطنين برضوض وكسور نتيجة سقوطهم أثناء الخروج من منازلهم وسط الخوف والهلع وإسعافهم إلى المستشفيات للعلاج.

تحفز الكارثة التي يعيشها السوريون نوعاً من الأمنيات المتواضعة التي تساعد على ضمان البقاء بشكل أو بآخر. فالذي يمتلك سيارة يغبط من يمتلك خيمة، وصاحب الدراجة النارية يتمنى امتلاك سيارة لإيواء أفراد أسرته المشردين في الطرقات، والذي يقيم في خيمة ربما يشعر اليوم أنه ملك زمانه.. في جو يكمل رسم اللوحة السريالية التي تشكل وضع سوريا، هذا البلد التعيس الضائع.

ولعل أبرز التداعيات الجديدة الناجمة عن النسخة الأحدث من الزلزال، هو أن عشرات الآلاف من الأشخاص باتوا يبحثون عن خيام بغرض الإقامة المؤقتة فيها، في تبدل جذري لمعادلة السكن في منطقة منكوبة حافلة بآلاف المشردين من سكان الخيام. لتأتي عبارة من نوع "بتنا نحسد سكان الخيام" ملخصة للوضع الكارثي، أو أن لسان الوضع الكارثي هو من يلخصها.

هناك المئات -إن لم يكن الآلاف- ممن باتوا يفكرون بشكل جدي في شراء خيمة ونصبها في مكان آمن "المهم أن يكون بعيداً عن البيوت السكنية"، على أن هذا المطلب لم يعد سهلاً في هذه الظروف، ففي ظل حياة التشرد في الطرقات عقب كل هزة قوية، صارت الخيمة شبه نادرة بسبب كثرة الطلب عليها، كما تسمع من هنا وهناك.

ومع برودة الطقس وفداحة الخروج من المنزل والتشرد في الساحات العامة، تزدحم المخيلة بالأمنيات المتواضعة التي ستكون مفيدة جداً في كارثة من هذا النوع، فتجد من تلتقي به يسير مع عائلته المرتجفة من البرد في شارع واسع، يخبرك عن حلم حياته في هذه اللحظة أن يمتلك سيارة مهما كان نوعها؛ ما يهم الآن هو سقف نأوي إليه ويكون آمناً من الهبوط علينا، فعند التشرد لا يوجد بيت سيء.

ولأن الزلزال كأي كارثة طبيعية أو بشرية له متطلبات مقاومة وتكيف بما يعيد ترتيب الأولويات، وكأنه نقل طاقته إلى المجتمع حركة واضطراباً، تزايد الطلب على حزمة من الاحتياجات بشكل كبير جداً. فالخيام تأتي على رأس قائمة احتياجات كل أسرة وبالأخص الأسر المقيمة في منازل آيلة للسقوط، والأغطية والوسائد ووسائل التدفئة والأغذية تأتي كبند ثانٍ، ويضاف إلى بنود أخرى تلحق كل ما سبق، الاحتياجات النسائية التي غالباً ما يتم إغفالها ضمن فعاليات الاستجابة الطارئة.

ومن يتصفح وسائل التواصل الاجتماعي عقب الزلزال، يلاحظ حالة الرعب العارمة التي اجتاحت السكان في زحمة التدوينات حول الكارثة. هذه الأجواء بالضبط تشكل البيئة الخصبة لانتشار الشائعات حول هزات جديدة وكوارث قادمة، ما يزيد من حجم الكارثة. وبهذه الصورة تشكل مرحلة ما بعد الزلزال عامل هدم على كافة الصعد، النفسية، الصحية، والاقتصادية.

وكما في كل كارثة، يعري الزلزال الإدارات الحالية للكيانات السورية التي أثبتت فشلها في إدارة الأزمة. فعدا عن الفشل في تأمين السكن البديل لمتضرري الزلزال، هناك فشل على الصعيد الرسمي يتمثل في تراجع دور الحكومة في اعتمادها كمصدر أساسي للمعلومات والبيانات والتمثيل السياسي في مناطق المعارضة خصوصاً، وأما في مناطق النظام فالفشل أوسع وأشد لأن رئيس البلاد مشغول منذ اللحظات الأولى للكارثة بدبلوماسية الزلزال لا بإنسانية الكارثة.