رحلة البذار الأمريكي في الحسكة .. اختلاق معلومات وتهويش وفساد

من صفحة الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية USAID على الفيسبوك

انتهت عاصفة التصريحات التي أدلى بها مسؤولون وإعلاميون لدى النظام السوري في الحسكة حول بذار القمح المقدم من الولايات المتحدة الأمريكية لل"إدارة الذاتية"، وذلك قبل شهر تقريباً من انتهاء عملية توزيع البذار على الفلاحين المستهدفين في الحسكة ثم دير الزور منذ أيام قليلة، فكانت النهاية الأولى تعبيراً عن فشل "تهويش سياسي" ظهر في اختلاق المعلومات، بينما مثلت النهاية الثانية تردداً في اتخاذ القرارات وفساداً لحق عملية التوزيع.

أعلنت الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية (USAID) بتاريخ 10 تشرين الثاني 2021، أنها أرسلت 3000 طن من بذار القمح "تلبية لمطالب المزارعين السوريين"؛ وبعد يومين صرح الرئيس المشترك لهيئة الاقتصاد والزراعة في الإدارة الذاتية سلمان بارودو، لموقع "نورث برس" أن الكمية "لا تسد النقص الحاصل في كمية البذار".

تهويش سياسي وتردد

صار معلوماً أن نوعية البذار تركية، وأن مصدرها إقليم كردستان العراق، وحسب مقربين من المنظمات الدولية العاملة في شمال شرقي سوريا، فالكمية مخزنة في المستودعات منذ شهر أيلول الفائت، بينما بدأت عمليات التجهيز للتوزيع من قبل منظمة Global Communities (سابقاً CHF) صاحبة العقد، بالتزامن مع تصريحات بارودو نظراً لعراقيل عدة وضعتها الإدارة أمام المنظمة بعد أن كانت قد طالبت في وقت سابق بمنحها البذار لسد النقص في هذا المجال، ثم توقف التوزيع مؤقتاً بعد دخول تصريحات مسؤولي وإعلام النظام على الخط.

بتاريخ 16 تشرين الثاني نصحت وزارة الزراعة والإصلاح الزراعي التابعة للنظام عبر موقع "رئاسة مجلس الوزراء" الرسمي على الإنترنت، المزارعين بعدم زراعة بذار القمح الأمريكي قبل إجراء التحاليل المخبرية من قبلها، وقال مدير وقاية النبات في الوزارة حازم زيلع للموقع، أن "إدخال القمح من الجانب الأمريكي غير شرعي ويتضمن مخاطر من ناحية الصنف والنوع واحتمال إدخال آفات حشرية مثل النيماتودا المنتشرة في أمريكا".

تلقف المسؤولون المحليون في الحسكة التصريح بمثابة إعلان للحرب، فأصدرت كلية الهندسة الزراعية بالحسكة بتاريخ 23 من ذات الشهر كتاباً ينص على أن "القمح غير صالح للزراعة" لإصابته بالنيماتودا وانخفاض نسبة الإنبات وفق "نتائج تحليل العينة" الذي طلب إجراءه محافظ الحسكة. لكن مراسل قناة الإخبارية السورية أحمد حمدوش ناقض نتائج التحليل حين نشر على صفحته بفيسبوك أن البذار مصاب بحشرة المخازن، ثم تبعه في ذلك مدير الزراعة والإصلاح الزراعي في الحسكة سعيد جيجي في تصريح لصحيفة الثورة.

من جهته صرح غسان خليل محافظ الحسكة بعد يومين لقناة روسيا اليوم، أن "البذار غير صالح للزراعة" و"يخرب الأرض في المستقبل"، وطالب الفلاحين بالتخلص منه لكونه غير قابل للاستخدام حتى "علفاً للدواب". أما محمد حسان قطنا وزير الزراعة فقد قال خلال زيارته إلى مدينة الحسكة بذات اليوم للفضائية السورية "أن البذار المدخل غير معروف الصنف".

في ذات السياق جاءت منشورات على وسائل التواصل الاجتماعي لتضع البذار في خانة المؤامرات، فرأى البعض أن ما تحمله البذار من آثار سلبية على الإنسان أو الأرض قد لا يظهر مباشرة.

منشور مراسل الإخبارية السورية في الحسكة

منشور مراسل الإخبارية السورية في الحسكة

ووسط التهويش جاء تصريح بارودو إذعاناً سينتقده لاحقاً، "أن البذار المقدم من قبل الوكالة الأمريكية قيد الاختبار" وأن الإدارة "تطلب توضيحاً وتطميناً حول قابلية البذار للإنبات في مناطق شمال شرق سوريا ولكن لم تحصل على رد بعد".

ردت الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية عبر صفحتها بفيسبوك في 25 و28 تشرين الثاني، أن بذار القمح "يلبي معايير السلامة والجودة، وهو من نوعي أضنة وجيهان تركي المنشأ" وأنها "خضعت لسلسة من الاختبارات للتحقق من جودتها". وبين هذا وذاك يقول مقربون من المنظمات الدولية العاملة في المنطقة، أن عينات البذار اختبرت لأكثر من مرة ومكان أحدها إقليم كردستان العراق بعد إلحاح سلطات الإدارة.

فساد 

تركت حملات مسؤولي وإعلام النظام أبلغ الأثر على استلام الفلاحين حصصهم من البذار، لكن الحملات لم تكن العامل الوحيد المؤثر في عملية التوزيع. وحسب استطلاع عين المدينة لعدد من أهالي تل حميس حيث وزعت البذار في الحسكة، فالغالبية من الفلاحين صدقوا رواية النظام وامتنعوا عن زراعة البذار والتخلص منه ببيعه. وقال يوسف وهو صاحب أرض في تل حميس، أن الذين حصلوا على البذار هم "المدعومون ووجهاء العشائر" في المنطقة، كما اقتصر التوزيع على قرى شمال تل حميس من كل القامشلي.

أما أبو محمد فأوضح لعين المدينة أنه حصل على 2.5 طن من البذار، هي حصة أصحاب المساحات الصغيرة، "لكني لم أزرعها لخوفي من عدم صلاحيتها للزراعة بعد انتشار التقارير من وزارعة الزراعة ومسؤولي النظام. بعت الطن الواحد بـ 500 دولار لتاجر حبوب بالمنطقة".

وأكد أحد تجار البذار في القامشلي طلب إخفاء اسمه، أن البذار الأمريكي كان قد عرض للبيع في "سوق النعسان" قرب قرية الصالحية جنوب مدينة القامشلي، وقد بلغ سعر الكيلو الواحد 1500 ل.س. وقال التاجر أن موظفين من الإدارة الذاتية كانوا قد أخبروا الأهالي أن "البذار هجينة ولا تصلح للأراضي البعل، وهي بحاجة للسقاية والتسميد الوفيرين لكي تكون إنتاجيتها عالية". وأضاف أن موظفي الإدارة هم ذاتهم من قام بشراء البذار عبر إرسال سماسرة إلى المستفيدين بعد أن ساهموا في تثبيت إشاعة النظام بين الفلاحين. الأمر الذي أكده مقربون من المنظمات الدولية العاملة في المنطقة، وأشار أحدهم بشرط عدم ذكر اسمه أو صفته الوظيفية، أن موظفين بالإدارة عرضوا على الفلاحين المستفيدين تبديل البذار الأمريكي ببذار محلي بعد انتهاء التوزيع.

من جهته صرح سلمان بارودو لعين المدينة، أن نتائج فحوصاتهم المخبرية للبذار كانت إيجابية، وتابع أنه تم "توزيع كامل الكمية وبشكل مجاني على الفلاحين في مناطق الجزيرة ودير الزور" وبيّن أن منظمة (Global Communities) قد أشرفت على عملية التوزيع”، وأوضح أن المناطق المستفيدة من التوزيع هي المناطق المروية فقط.

وفي التعليق على المعلومات التي اتهمت موظفين في الإدارة بالتحايل على الفلاحين للحصول على البذار، نفى بارودو أن يكون مسؤولون في الإدارة قد تواصلوا مع فلاحين مستحقين للحصة لعقد صفقة تنص على أن تسترجع الإدارة حصصهم من البذار الأمريكي بعد التوزيع وتمنحهم بذار محلية مكانها. وتطرق بارودو في نهاية حديثه إلى الإشاعات التي روج لها مسؤولو النظام، ورأى أن "هدف النظام منها إحداث ضجة إعلامية قبل عملية توزيع البذار الهدف منها إثارة البلبلة" حسب تعبيره.

نتائج تحليل العينة في كلية الزراعة بالحسكة - إنترنت