دير الزور بلا أدوية ولا لقاحات

من إصدارات داعش

دفعت ممارسات تنظيم الدولة الإسلامية عاملين في المجال الطبي بدير الزور إلى الهجرة أو إلى ترك العمل، لكن ذلك ليس السبب الوحيد والأساسي لتردي الوضع الصحي، فهناك على الطرف المقابل ممارسات النظام الممنهجة، واستغلال تجار أدوية انفلات الضوابط وغياب الرقابة.

في دير الزور حالياً 12 مستودعاً لبيع الأدوية، بحسب صيدلي ترك العمل مؤخراً. لا تغطي تلك المستودعات احتياجات الأهالي في ظل الحرب، والتطورات الأخيرة على الحدود التركية، ومنع التنظيم السفر إلى خارج المناطق التي يسيطر عليها، وتضاف إلى كل ذلك ظروف راكمتها -منذ ثلاث سنوات- سياسات النظام تجاه المنطقة.

وقد حاول إعلامي يعمل في صفحة «إذاعة دير الزور الحرة» حصر أصناف الأدوية المفقودة من السوق والمشافي لمجلة «عين المدينة» فخرج بالقائمة التالية: (اللقاحات بشكل عام، وأهمها لقاحات اﻷطفال؛ علاج داء الكلب الذي تفشى في المنطقة منذ مدة؛ علاجات الأمراض السارية والمستعصية كالسل والتهاب الكبد C وB؛ خافضات الضغط؛ خافضات السكري؛ أدوية الربو؛ أدوية الكلى؛ أدوية مرض الناعور؛ الأدوية النفسية؛ أدوية الصرع؛ أدوية الأطفال، وبشكل خاص خافضات الحرارة)، وقد تسبب فقدان بعضها في وفيات عدة. ويضيف صيدلي، كان يعمل بشكل سري في دير الزور مع منظمات إنسانية، أن بعض هذه الأدوية متوافر على نطاق محدود وبأسعار مرتفعة جداً.

النظام وفقدان الأدوية

يفيد أحد مستوردي الأدوية، وهو صيدلي من دير الزور أيضاً، أن النظام بدأ منع دخول الأدوية إلى المحافظة بقرار أمني منذ الشهر الرابع 2014. وصادر أحد حواجزه في تدمر، في تلك الفترة، شحنة كبيرة للصيدلي كانت متجهة إلى المحافظة بموافقة وزير الصحة. يقول الصيدلي إنه اشترى تلك الشحنة مرة أخرى من الرقة بعد سنة، في وقت بدأ فيه النظام بحصر نقل الأدوية إلى المنطقة الشرقية عبر الطيران ليقصر توزيعها على مناطق سيطرته في المدينة، بينما يضطر التجار في الريف إلى نقلها من دمشق إلى حلب فالرقة بتكاليف ومخاطرة كبيرة، عبر طريق توقف في الفترة الأخيرة. ويخضع التجار، قبل القيام بتلك المغامرة التي قد تنتهي بمصادرة الحمولة، لعملية ابتزاز كبيرة تقوم بها المستودعات الرئيسية من خلال «التحميل»، بفرض أدوية غير مطلوبة، أو غير ذات فاعلية، على التاجر كشرط لبيعه الأدوية التي يريدها، بحسب أكثر من صيدلي وصاحب مستودع. وقد رافق قرار المنع غزو تجار الأدوية العراقيين السوق السوري، عارضين أرباحاً باهظة تصل إلى خمسة أضعاف السعر الحقيقي، ثم شحنها إلى بغداد والبصرة، مما يضطر أصحاب المستودعات والصيادلة في دير الزور إلى إعادة شراء الأدوية السورية من العراق، خاصة الأدوية الهرمونية النسائية، بأسعار خيالية.

في السنتين الماضيتين ظلت الأدوية تدخل من تركيا إلى الرقة ثم إلى باقي مناطق سيطرة التنظيم عبر مستوردين كبار. ويضيف كيميائي من دير الزور أن هؤلاء كانوا يتعاقدون مع شركات صينية أو هندية لصناعة أدوية مشابهة للأدوية السورية، تسمح تركيا بدخولها إلى أراضيها -بعد دفع الرسوم الجمركية- لكنها تمنع بيعها فيها. على أن تلك العملية توقفت منذ بداية معارك الباب من شهرين ونصف.

تنظيم الدولة وشح اللقاحات

أسهم أطباء وصيادلة وعاملون في المجال الإنساني والإغاثي، منذ تمدد التنظيم، في إدخال أدوية أمراض مزمنة إلى الأراضي التي يسيطر عليها، رغم أنه يمنع عمل المنظمات في العموم. بالإضافة إلى إدخال لقاحات الأطفال التي كانت ترسلها منظمات عالمية، كاليونيسيف ومنظمة الصحة العالمية، عبر منظمة الهلال الأحمر القطري أو وحدة تنسيق الدعم ACU وغيرهما. كان آخرها لقاح ضد الحصبة الألمانية، في الشهر السادس من السنة الفائتة. وجرت حملات التلقيح مع مضايقات مضاعفة من أمنيي التنظيم الذين ألزموا المتطوعين في الحملات على ملء استمارات مطبوعة بمعلومات تخص توجهاتهم السياسية وأوضاع وأماكن سكن أقاربهم. لكن عناصر ومؤيدين للتنظيم استثمروا حملات اللقاح في دعايتهم له، واعتبروها من ضمن مظاهر «التمكين»، بينما ظهرت تيارات داخله منع أصحابها أولادهم من تلقي اللقاحات واعتبروها من قبيل العبث، لأن «التداوي قبل نزول الداء هو اشتغال بأمر يُشكُّ في تحققه، وحصول ثمرته أمرٌ موهوم».

وسط هذه الظروف تشهد المنطقة إقبالاً كبيراً على المداوين بالأعشاب، الذين يحاكون تراث المنطقة وخرافاتها في طقوسهم. وقد واءم مشعوذون ممارساتهم القديمة مع أدعية دينية لتتناسب مع توجهات التنظيم الذي يلاحق السحرة ويقيم دورات لتعليم الرقية الشرعية.

أوصل النظام والتنظيم الأهالي وتجار الأدوية والعاملين في المجال الطبي إلى طرق شتى الأبواب للهروب من شبح المرض، لكن بطرق ملتوية. ويخشى الكثيرون أن تصبح هذه الطرق، مع الزمن، هي الطرق الرئيسية والوحيدة التي يسلكونها.