- الرئيسية
- مقالات
- رأي
دواعش ليسوا بدواعش كاملين
يعودون الآن إلى مواقع كانوا قد شغلوها يوما بين صفوف الثوار، والناشطين على كافة الأصعدة، والوجوه الاجتماعية. وربما احتلوا مواقع لم يكونوا يشغلونها، اعتماداََ على وجاهة جديدة، تحصلوا عليها من إثراء طارىء، أو حيازة مفاتيح حسم مهاترات مرضية، حول الحدود والأمجاد والآخرين، أو تلويح صامت بعودات مفاجئة لخلايا تنظيم الدولة الإسلامية يدفع الكثيرين للصمت، والتزام «الحيط الحيط»، أو الصراخ الطفولي للتحريض عليهم، دونما طائل. هم في النهاية ليسوا دواعش مبايعين، لكهنم مستفيدون منهم، إن كان اسمهم أبواق، أو مسيحة جوخ، أو متزبلقين.
ستستمر الأحاديث التي تتناولهم طويلاََ، في الجلسات واللقاءات العامة والخاصة، لكن أحدهم لن يرف له جفن حيال ذلك، فبالطبع كل واحد منهم يملك قصته مع الثورة، ومنغصاتها ولصوصها ومتسلقيها، وتحكم الدول بقرارات كياناتها، وسلسلة طويلة من الخيانات، السرقات، الخلافات… وقصته كذلك مع داعش، ونيتها ممارسة القتل بشكل أفظع، وخنق الناس أكثر؛ وعندها سيروي لأقرانه، ولكل من يتهمه بالدعشنة، كيف جابههم، وانتقدهم، وعراهم، وكشف كذبهم، وحامى عن الناس. ليحجز كل واحد من أولئك الأبواق السابقين مهمته التي أنقذ بها حيوات الكثيرين، ويقتطع سياق الأحداث الذي يرى إلى الأمور به، متوسلاََ عبره صفحاََ اجتماعياََ، فليس هناك سلطة حاسبتهم، أو ستحاسبهم، طالما أنهم لم يكونوا مبايعين. هم أذكى، أو أجبن من ذلك.
لكل منهم تبريراته، وظروفه الخاصة، التي دفعته لشغل تلك المنطقة الرمادية الواقعة بين تنظيم الدولة الإسلامية، متمثلاََ بكل أجهزته في مجالها العام الذي اصطنعته وفرضته فرضا؛ والمجال العام الذي صنعه واقع حال الحياة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، قبل أن يصبح كل ذلك حكراََ على التنظيم، وينفذ من هناك كل أمل في أن يتركه العالم وشأنه. إذن فليبدأ المطبلون، المغامرون، الانتهازيون، المتملقون… وكل من لم تسعفه شجاعته في الانتماء للتنظيم علناََ، والمراهنة بالحياة على بقائه؛ فليبدأ كل هؤلاء بالانسحاب أو الهروب. الدائرة لم تتسع إلا لبضعة أشهر، ثم صارت تضيق على هؤلاء، الذين اختزلهم المزاج الأهلي بالجبن، قياساََ لشجاعة من بايع التنظيم، أو من بقي يقاتل معه فيما بعد.
بقي الكثير منهم في أوساط متنوعة، يشغلون فيها بعبعاََ محلياََ خشيه الأهالي، أكثر من خشيتهم من العناصر المبايعن، هؤلاء واضحون، هناك وصفات للتعامل معهم، استقر وضعهم كعناصر خارجية على التجمعات الأهلية، انتقل الحذر الجماعي من مخبري أفرع الأمن إليهم، اعتاد الناس التمثيل في حياتهم التي يشاركونهم إياها؛ أما هؤلاء فمن الصعب التعامل معهم، هناك دائماََ الخطوة التي تفصلهم عن التنظيم توحي بالأريحية، ولكن إغضابهم قد يأتي بعواقب وخيمة، طالما كلمتهم مسموعة لدى العناصر والأمراء والقضاة… كل من مكانه، في الخطابة شوهدوا يبكون من حبهم ل(الدولة)، أو في الخدمات العامة حين كانوا أدلاءها على الأملاك العامة والخاصة التي غادرها أهلها إلى «بلاد الكفر»، أو في الإعلام بمعداتهم التي أعاروها للمراكز الإعلامية، أو في التجارة والصناعة، أو المهام الاجتماعية في النصح وإصلاح ذات البين.. ما مكنهم يوماََ من الحط من خصومهم، أو إلغائهم رمزياََ في الأوساط الأهلية المتنوعة. لا يحتاج الأمر إلى نوايا سيئة، كانوا يصمتون عن الصفات الاعتبارية، والمراكز التي يلصقها الأهالي بهم، ولا يبذلون جهداََ لتصحيحها.
أعتقل بعضهم لدى هذا الفصيل أو ذاك، فيخرج دون أن يتقدم أحد بشهادة تدينه، طالما أن أحداََ لم يشاهد بعينه. هذا هو الفارق بين التنظيم الذي دافع عنه مسيحة الجوخ فوجد الكثيرين من المستعدين لتقديم الشهادات والإدانات، والمساعدة على الذبح والسحل؛ والفصائل التي تعتقلهم، فالجميع في هذه الحالة يخاف من (الدم)، إذن فليطلق سراحهم، وليعودوا لتصديع رؤوس الجميع بالخلل الذي سيكتشفونه في مسارات الثورة ومآلاتها، وليعودوا للمجادلة فيها، باستعداد دائم للانجذاب لكل متوحش يفرض على الناس سلطة، ويضع خلافاتهم واختلافاتهم تحت عباءته، ويجد فيهم مستعدين كثر لشغل مناطق رمادية يتركها، أو الانتفاع من فضلاته.