داعش والليرة ملايين الدولارات تُسحب إلى صناديق التنظيم كلّ أسبوع

يتجّه مؤشّر الليرة السورية نحو الانخفاض نتيجة التأثيرات المرتبطة بالحرب التي يخوضها النظام ضدّ معارضيه منذ أربع سنواتٍ تقريباً، لتتآكل القوّة الشرائية لليرة بمعدلات تضخمٍ تجاوزت 500%، وهي نسبةٌ تعبّر عن المصير الكارثيّ الذي وصلت إليه العملة السورية. وكما هو معلومٌ، تحدّد قاعدة العرض والطلب أسعار الصرف، وفق تأثير عوامل مختلفة على تلك القاعدة. لتتجسّد هذه التغيرات في نسب هبوطٍ وصعودٍ يوميةٍ في أسواق الصرف الخارجية، في لبنان وتركيا على وجه الخصوص، تنعكس، باختلافٍ طفيفٍ، على أسواق الداخل.

وتعدّ أسواق مدن سرمدا ومنبج والباب والرقة والميادين والبوكمال أسواقاً رئيسية في الأراضي السورية الخارجة عن سيطرة النظام الأسديّ، تشكّل فيما بينها فضاءً مالياً واحداً، يخضع لجملة مؤثراتٍ داخليةٍ وخارجيةٍ مشتركة. وعدا سرمدا، تقع المدن الأخرى في الأراضي الخاضعة لسيطرة تنظيم "الدولة الإسلامية" داعش. ويقدّر عدد محلات الصرف الرئيسية في هذا الفضاء بحوالي المائة، إلى جانب آلاف نقاط الصرف الصغيرة المرتبطة بهذه المحلات. وتقدّر الكتلة المالية الصعبة المتداولة في أسواق صرف ذلك الفضاء –البنكنوت- بحوالي 250 مليون دولارٍ أمريكيٍّ، تتعرّض لتغيّراتٍ يوميةٍ وأسبوعيةٍ طفيفةٍ يصعب تحديدها بدقةٍ في ظلّ غيابٍ شبه كاملٍ لأرقام التجارة الخارجية.

تأثيرات داعش على أسعار الصرف

منذ بروز داعش كلاعبٍ رئيسيٍّ على مسرح الأحداث في سوريا، بدأت تأثيراتها في أسواق الصرف المحلية. وتضاعفت هذه التأثيرات مع اتساع رقعة الأراضي الخاضعة لسيطرة التنظيم، وبالتالي شبكة الموارد المغذية له. ويذكر صرّافون كبارٌ من مدن الرقة والباب والميادين بعض أنشطة داعش المالية، مثل شراء ملايين الدولارات، التي يقدّرها البعض بـ8-12 مليون دولار أسبوعياً -قبل قرار التنظيم حصر بيع النفط بالدولار- مما جعل نزول "ماليّي" داعش إلى السوق حدثاً هاماً قد يرفع سعر الدولار ليرتين إلى ثلاثاً في سوق صرف إحدى المدن عنه في سوق صرف مدينةٍ مجاورة.
ويمكن تحديد أهم تأثيرات داعش على أسواق صـــرف الـــــعملات بما يلي:
-1 التأثير الناجم عن قرار داعش بحصر بيع النفط الخام للتجّار بالدولار الأمريكيّ فقط، مما رفع معدّل الطلب عليه. إذ يحرص آلاف التجار، بأحجامٍ مختلفة، على شرائه ليدفعوه لمحاسبي داعش على الآبار، مما يخرج أكثر من مليونٍ ونصف إلى مليوني دولار يومياً من السوق ويدخلها في صناديق مال داعش. ويعود هؤلاء التجار لبيع النفط للتجار الأصغر أو لمالكي مصافي النفط العشوائية بالليرة السورية، ويعيدوا كرّة شراء الدولار من السوق ثم دفعه ثمناً للنفط، مما يجعل الليرة في حالة استنزافٍ دائمٍ مقابل الدولار في هذه الدورة المالية الخاصّة بالنفط.
-2 التأثير الناجم عن إزالة الحدود مع العراق. ويعدّ هذا التأثير إيجابياً لصالح الليرة، إذ يفوق حجم السلع والبضائع المنتقلة من سوريا إلى العراق حجم نظيرتها المنتقلة بالعكس، مما يطرح مبالغ كبرى -يصعب تقديرها- بالدولار الأمريكيّ في السوق السورية. إلا أن لهذه العملية آثاراً سلبيةً ستتكشف لاحقاً، إذ إن البضائع المصدّرة إلى العراق ثمينةٌ، ومنها ما هو غير قابلٍ للتعويض (كبعض سلالات الماشية)، بالمقارنة مع تلك الآتية منه. فضلاً عن التأثيرات السلبية المباشرة بارتفاع أسعار بعض السلع الرئيسية في سوريا نتيجة هذا التصدير.
-3 رغم الغموض الشديد والسرية في حجم إنفاق داعش على أجهزتها العسكرية والمدنية في سوريا والعراق، إلا أن التقديرات تشير إلى أن نفقات جزئها العراقيّ أعلى من جزئها السوريّ. مما يعني خروج كتلة دولارٍ كبيرةٍ من السوق السورية، ونهائياً، إلى السوق العراقية، باعتبار أن موارد داعش المالية من الجزء السوريّ أكبر بكثير من مواردها في الجزء العراقيّ. ليتشكل عاملٌ سلبيٌّ آخر، غير ملاحظٍ مباشرةً، يؤدّي بدوره إلى تآكل قوّة الليرة.
-4 تدفع داعش جزءاً هاماً من كتلة رواتب منتسبيها بالدولار الأمريكيّ. وينفق هؤلاء رواتبهم في مصاريف معيشتهم اليومية، مما يعيد إخراج جزءٍ من كتلة الدولار في صناديق داعش إلى الأسواق.